مواطن سعودي يروي التفاصيل الكاملة للكارثة بجدة:معدل ارتفاع الأمواج وصل إلى حوالي الثمانية أمتار

مواطن سعودي يروي التفاصيل الكاملة للكارثة بجدة:معدل ارتفاع الأمواج وصل إلى حوالي الثمانية أمتار
غزة-دنيا الوطن
روى أحد المواطنين القادمين إلى مدينة جدة قصته التي قضاها في سيول جدة منذ لحظة وصوله قادما من الرياض إلى اللحظات الأخيرة برفقة عائلته.

واستطاع المواطن الصحفي محمد الخثعمي عبر كلماته وقدرته على الوصف سرد ما حدث باقتدار تام، معتمدا فيها على عنصر التشويق وتسلسل الأفكار، نقلا عن الوطن" السعودية الأحد 29-11-2009.

والخثعمي هو دكتور مهندس، عضو مجلس شعبة إدارة المشاريع بالهيئة السعودية للمهندسين، عضو اللجنة الاستشارية للهيئة السعودية للمهندسين.


من قلب الكارثة

في مطلع الأسبوع الماضي وصلت برفقة العائلة إلى مدينة جدة قادما من الرياض لقضاء إجازة عيد الأضحى المبارك والاستمتاع بالجو الربيعي الدافئ والفرح بالعيد مع الأقارب في مدينة جدة. كانت الأمور تسير بأفضل حال، ونزلنا في موقع يعتبر قبل الأربعاء من المواقع المميزة جغرافيا في المدينة وذلك لقربه من نقاط الانطلاق إلى أي مكان في جدة من الجنوب إلى الشمال مرورا بالوسط بمحيط جامعة الملك عبدالعزيز، ذلك الموقع هو شرق الخط السريع في ما يعرف بمخطط المساعد ونزلنا بشقق المساعد للشقق المفروشة، الأربعاء الماضي كان صباحا مميزا، وبعد صلاة الفجر وإلى حوالي الساعة السادسة والنصف صباحا والأجواء صافية والأرض جافة ولا يوجد أي مؤشر على وجود أي مطر أو خطر، وبعدها بدأ المطر والجميع، سبحان الله، مشتاق لرؤيته وفرح بمقدمه بعد غربة طويلة لمثل تلك الأجواء الربيعية، واستمر الحال مع الرعد والصواعق وتزايد زخات المطر إلى حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا وإلى هذه اللحظة والأمور طبيعية رغم ارتفاع منسوب المياه إلى حوالي المتر وجريان السيول في كل الاتجاهات.


السيارات الكبيرة تقاد

لم يطل الأمر كثيرا باستمتاع المتسوقين والمارة وجميع المشاهدين لمنظر السيل والمطر إلا وسبحان الله وصلت أمواج كالجبال ولن أبالغ إذا قلت إن معدل ارتفاع الأمواج في بعض الأماكن وصل إلى حوالي الثمانية أمتار، وفي المنطقة التي كنت أسكنها بحي المساعد شرق جامعة الملك عبدالعزيز تحديدا كانت كثافة المياه أو ما يعرف بالسيل المنقول قادما من الشرق بمحورين أساسيين وكان أكثرها ضراوة لكميات المياه والسيول الجارفة القادمة من الشارع الرئيسي بين مخطط المساعد والحي الشعبي لما يعرف بحي القويزة ـ الشارع المتعارف على تسميته بشارع جاك ـ شرق غرب، والشارع الموازي له من أقصى شمال مخطط المساعد، وما بين هذين المسارين الرئيسين للسيل فجميع شوارع الحي أصبحت بقدرة الله بحراً يزخر بأمواج لا قدرة لما هو مقابل لها من مركبات أو محلات أو أشجار أو أعمدة كهرباء بمقاومتها، الجميع في تلك اللحظة يلهج ويتضرع إلى الله باللطف، تمر أمام ناظريك العربات بمختلف موديلاتها وأحجامها، فقد رأيت بأم عيني صهاريج نقل المياه (السكس)، سيارات النقل بمختلف أنواعها، باصات النقل، السيارات الخاصة ومن ضمنها الجمس الخاص بعائلتي وجميعها، سبحان الله، تقاد في الشوارع وما بين البيوت وكأن أحدا يسيرها من بين ممرات وشوارع الحي، تلك القيادة الربانية والتي التقطت كاميرات الجوال صورا حية لهذه القيادة الربانية وتم تزويد المواقع الإلكترونية بها خلال ساعات من الكارثة.

في غضون ذلك لك أن تتصور مرور سيارة تحمل عائلة بأطفالها ورب أسرتها من أمامك، ولك أيضا أن تتصور هول المنظر لشاب يقف فوق سيارته في وسط الشارع على أمل أن يصل به الموج إلى حافة الشارع ويجد ما يتمسك به. وفي ثوان تنقلب به السيارة رأسا على عقب فيصبح أثرا بعد عين، ولك أيضا أن تتخيل رجل أمن انقض مسرعا لمساعدة متضررين بالشارع المقابل - طريق مكة السريع- فلم يمهله القدر إلا ودارت به الأمواج بعد أن اصطدم بسيارة جرفها السيل واتجها معا إلى العبارة أسفل الطريق السريع باتجاه سور جامعة الملك عبدالعزيز غربا.


مسار السيول

نقطة تجمع وتمركز مسارات السيول في حدود المنطقة التي كنت أسكن بها وتحديدا أمام محطة المساعد المطلة على طريق مكة السريع هنا مركز تجمع السيول بما تجرفه من سيارات ومعدات وأكوام من الحديد والأخشاب وكل ما تتصور من مواد منقولة، بدأ جرف الطريق السريع بعد أن ضاقت العبارة الأرضية المتقاطعة مع الطريق السريع لتصريف المياه إلى الجهة المقابلة، والمؤدية إلى سور جامعة الملك عبدالعزيز، لك أن تتصور كم من السيارات بمختلف أنواعها وموديلاتها في الاتجاه المؤدي إلى مكة المكرمة والتي كان يغص بها الطريق منذ حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا بحركة شبه مشلولة لوجود ما يعيق استمرارية الحركة مما أدى إلى تراكم السيارات إلى ما يقارب الثلاثة كيلومترات من تقاطع طريق الجامعة مع الطريق السريع باتجاه الشمال، ومع بدء انجراف الطريق السريع والكثير من تلك المركبات تتهاوى واحدة تلو الأخرى بعد أن تركها أصحابها وأطلقوا لأقدامهم العنان لمسابقة الريح في جو ممطر وأرض زلقة في مختلف الاتجاهات طلبا للنجاة.

وقد سمعت من أحد الناجين ممن كان في سيارته ووصل إليهم السيل واضطروا إلى مغادرتها طلبا للسلامة والنجاة بأنفسهم والذين اتجهوا غربا هربا من السيل القادم من الشرق بأن الجميع هربوا في ذلك الاتجاه واصطدموا بسور الجامعة فمن أسعفته قدرته ووفقه الله لاجتياز ذلك الحاجز فقد تكتب له النجاة والبعض الآخر من المسنين والأطفال حال بينهم ذلك السور الخرساني وكانوا مرتهنين بالبقاء في ذلك المكان أو الهروب شمالا أو جنوبا بمحاذاة السور وهو ما يعرضهم أيضا للسيل ولكن بالبعد قليلا فقط عن مركزه. من ضمن مقولة الأخ الناجي (يقول إن الكثير يطلب الغوث لاجتياز ذلك الحاجز الخرساني وعلى ما أعتقد أنه سور الجامعة ولكن كلا منا مشغول بنفسه وبنجاته وقد هربت مسرعا وفي هذه الأثناء تصورت يوم الحشر وأهواله وكأنني أشاهد مشاهد من تلك الأهوال إلى أن أغمي علي ولم أستيقظ إلا في المستشفى متأثراً بكسر في الفخذ الأيمن وببعض الجروح الأخرى).

هنا لا أحد ينكر أن ما حصل في ذلك اليوم والذي نقلت كاميرات أجهزة الجوال ووسائل الإعلام الكثير منها بأنها كارثة غير مسبوقة في عهدنا على مدينة جدة أو على غيرها من مدن مملكتنا الحبيبة التي ندعو الله أن يحفظها، وهنا بعض الوقفات بعد الحدث، وليس من مبدأ لو،،، ولكن لأخذ تلك العبر والدروس المستفادة في الحسبان، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ومن تلك الوقفات مايلي:


الاعتراف بالأخطاء النظامية

للحق يقال: فمهما كانت البنية التحتية جاهزة وبأفضل المقاييس العالمية فلن يلغي ذلك من آثار تلك الكارثة الشيء الكثير ولكن لربما خفف النتائج واختصرت الخسائر إلى أقل مما حصل بكثير ولكن لن يتم استيعاب كل ذلك الطوفان بأي إمكانات هندسية مهما بلغت أحجامها أو جودتها، ولكن ذلك ليس مبررا للاعتراف بالخطأ والقصور في تأسيس بنية تحتية صحيحة ومساعدة للتقليل من مثل هذه المخاطر، بالإضافة إلى الاعتراف أيضا بالأخطاء النظامية والتنظيمية بالبناء في بطون ومسارات الأودية في ظل الجشع العقاري المؤيد بالدمغة الحكومية.

جميعنا موقنون بانشغال الجهات الأمنية وذات العلاقة بهمنا الوطني والديني الأول ألا وهو راحة وسلامة الحجيج وإكمال نسكهم بسلام وما تم حشده لذلك من طاقات لإنجاح موسم الحج وكذلك ما يواجهه أبناؤنا المرابطون بالحدود الجنوبية بالذود عن أراضي وتراب وطننا الطاهر، ولكن كل ذلك لا يبرر تقصير الجهات ذات العلاقة في اتخاذ الخطوات الجادة منذ اللحظة الأولى لحدوث الكارثة وعدم الانتظار إلى أن تصل الأوامر أو ما يسمى بالتوجيهات من الجهات العليا، فمن المفترض أن تدار الأزمة من قبل كل جهة لها علاقة من لحظة وقوع الحدث باحترافية وبما يمليه عليها الواجب المهني وبالإمكانات المتاحة، فكما أعرفه بأن كل جهة لديها خطة طوارئ أو خطة بديلة لعمل تلك الجهة أو تلك الإدارة في حالة وقوع كارثة أو طوارئ، فأنا والحق يقال كنت أتصور ردود فعل أكثر مسؤولية من الجهات الرسمية الموجودة بالمنطقة دون المساس بالأولويات الأخرى وكنت معايشاً للوضع لحظة بلحظة من قلب الحدث من بداية وقوع الكارثة إلى يومها الثالث يوم السبت الماضي.

وطبعا آمل أن لا يفهم من ذلك أن يقف أي أحد في طريق السيل أو يمنع القدر، فهذا غير وارد وغير قابل للنقاش الآن، ولكن السؤال الذي يجب طرحه على الجهات المختصة وتحديدا هيئة الأرصاد وحماية البيئة والدفاع المدني، بعيدا عن الإعلانات والإنذارات الرسمية التي وصلت إلى عدم الموثوقية لدى المواطنين لعدم جدية الطرفين (المواطن وتلك الجهات)، وبعيدا أيضا عن عصر العولمة والاتصالات المتقدمة ألم يكن لدى تلك الجهات الآلية المناسبة لمعرفة وصول السيل المنقول إلى أطراف المدينة من الناحية الشرقية؟ ألم يصل أي استغاثة من ساكني تلك الأحياء مهما كان بعدها وتركيبتها التخطيطية أو العشوائية أن هنالك سيولا داهمة وصلت لهم؟ ألم يكن بالإمكان استخدام المروحيات وصفارات الإنذار المعلقة في أعالي المباني؟ لتحذير المواطنين بإخلاء المنطقة أو على الأقل بإخلاء الأدوار السفلى من المباني؟ ألم يكن من الواجب المجتمعي على مسؤولي الأحياء من عمد وأئمة مساجد استخدام وسائلهم المتاحة لإنذار المواطنين بإخلاء منازلهم بعد وصول مؤشرات وتحذيرات الدفاع المدني؟ هذا من وجهة نظري أقل ما يمكن أن يعمل للتخفيف من حدة آثار تلك الكارثة لاسيما إذا عرفنا أنها خلال إجازة والكثير غارق في سباته والذين صحوا على خرير المياه من كل منفذ في بيوتهم سواء الشعبية والعمائر ذات الأدوار الستة والفلل الفارهة فالسيل والكارثة لا تفرق بين حي وآخر أو مبنى ومتجر أو بيت مسؤول أو مواطن؟


ما بعد الحدث

ما بعد الحدث، الجميع وقف مشدوهين، فالدفاع المدني مشغولون بالإنقاذ وفق أولوياتهم والمرور وبإمكاناته المحدودة وباجتهادات فردية وبمساعدة من المواطنين مشغولون أيضا بفتح الطرق لحركة السير، طبعا هنا أيضا لا نطلب من الجميع أن يكون لديهم عصى سحرية لإعادة كل شيء إلى طبيعته ولكن أسلوب إدارة الأزمة والتنسيق بين الجهات المسؤولة وذات العلاقة لم يكن موجودا ولو بأقل المقاييس، فعلى سبيل المثال ليس من الضروري أن يتواجد مدير عام الدفاع المدني لانشغاله بمهمة أولى ولكن ألا يوجد نسخة أخرى من مدير عام الدفاع المدني بجدة تسير أحداث الأزمة وتأخذ التوجيهات اللحظية من تمام الساعة الثالثة عصر الأربعاء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المحتجزين بالمنازل؟ هل كان الأمر يتطلب معدات؟ أفرادا؟ متطوعين؟ كل ذلك بالإمكان تدبيره من تلك اللحظة، فمن أين أتت المعدات المدنية والرافعات التي فتحت الطرق ابتداء من يوم العيد؟ هل أتي بها من خارج جدة؟

بالطبع لا. فالوقت في مثل هذه اللحظات مهم جدا والدقيقة تمثل حياة بالنسبة للآلاف المحتجزين في تلك الأحياء، الآلاف كانوا محتجزين في منازلهم بدون كهرباء ولا ماء ولا إضاءة طوارئ ولا مقومات سلامة ولا أمن، الكثير يتمنى من يطل عليه أحد بشمعة تضيء له ليلته المليئة بالهموم والأحزان، الكثير بقي إلى اليوم الثالث لم يتمكن من الخروج من بيته لانغلاق المداخل المؤدية إليه، يتضح للمعاين للمنطقة أنه لا يوجد أي ساكن كان إلا ولحقه ضرر إما بفقد عزيز لديه من أبنائه أو والديه أو إخوته، أو بفقد شيء من ممتلكاته ومنها السيارات التي تمتلئ بها الشوارع في ظل غياب التنظيمات الملزمة بوجود مواقف مخصصة لكل وحدة سكنية، أثاث وفرش الأدوار الأرضية لجميع الأحياء المتضررة والتي وصل بها ارتفاع الماء إلى أعلى من منسوب الدور الأرضي هذا في حالة سلامة ونجاة ساكنيه.

كما سبقت الإشارة بأن انشغال مسؤولي الدولة بالمهمة الأساسية لتسيير أعمال الحجيج بتواجدهم بين جموع الحجيج وبقية المسؤولين كل في موقعه، إلا أن ذلك لا يعطي أي مبرر لتباطؤ عمليات الإنقاذ وإعادة الحياة إلى تلك الأحياء المتضررة، فمن وجهة نظري الشخصية أن تواجد مسؤولي كل الجهات ذات العلاقة في موقع الحدث والبدء العملي باتخاذ قرارات إيجابية لإخلاء الأماكن المتضررة وفتح الطرق وإزالة الأخطار وتسيير دوريات أمنية للحفاظ على الأمن وبقايا ممتلكات المتضررين من سكان تلك الأحياء لهي من أبسط صلاحيات المسؤولين المتواجدين بالمنطقة، ولكن ما كانت تمر به المناطق المتضررة بجنوب وشرق جدة في هذه الأثناء من تخبط هو أزمة في إدارة تلك الأزمة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر ألا يمكن لمعالي أمين مدينة جدة أو أحد وكلائه المكلفين بمشاركة المتضررين في تلك الليلة والمواصلة للترتيب ليوم عمل جاد من فجر اليوم الآخر؟ ألا يمكن تدبير 300 عامل من عقود التشغيل والصيانة والنظافة في الجهات الأخرى غير المتضررة بالتواجد من صباح اليوم الثاني للمساعدة في خدمة ساكني الأحياء المتضررة جنبا إلى جنب مع مقاولي تلك الأحياء؟ ولكن بالمقابل فإن الواقع أبلغ فمقاولو ومسؤولو نظافة وصيانة تلك الأحياء وتحديدا الحي الذي كنت اسكن فيه لم يتواجد أي منهم؟؟؟ ألا يمكن من تلك الليلة أن يتم تدبير 30 معدة شيول وخمسة قريدرات؟ وبوب كات للمساعدة في فتح الطرق للتخفيف من آلام المواطنين؟، واسمحوا لي أن أفترض جدلا أن منزل معالي الأمين أو أحد وكلائه من بين تلك الأنقاض أو أن أسرته من بين تلك الأسر هل تظنون أن الوضع سوف يمر بهذه الرتابة؟ الإجابة لديكم.


ارتفاع منسوب المياه

مع ارتفاع منسوب المياه إلى أعلى من منسوب الأدوار الأرضية في متوسط مباني الأحياء المتضررة فإن تلك الأحياء يجب أن لا تكون متاحة للسكن من قبل أصحابها حتى وإن رغبوا في ذلك قبل ما يقل عن أسبوعين إلى أن يتم تجفيف خزانات المياه وتنظيفها وإعادة عزلها لاختلاطها بمياه المجاري، وفي حالة عدم اتخاذ هذا الإجراء فلكم أن تتصوروا أي كارثة بيئية قادمة عليها تلك الأحياء. وهنا ومن واقع خبرتي في مجال الاستشارات البيئية أتمنى على الجهات ذات العلاقة منع أي مواطن من السكن إلا إذا تم تأمين خزان خارجي لاستقبال مياه صالحة لتغذية الخزانات العلوية بعد التأكد أيضا من سلامة ونظافة شبكة رفع المياه والخزانات العلوية وعدم تلوثها بمياه المجاري.

من الأهمية أن لا تختزل المشكلة في أن كثيرا من الأحياء المتضررة هي من الأحياء العشوائية، بل من الضروري معالجة المشكلة كجزء أساسي من مخطط مدينة يراد لها أن تصبح عصرية التخطيط وعالمية الرؤية، وأن تحل المشكلة من أساسها بما فيها الوضع القانوني لملكية سكان هذه الأحياء، فالتصحيح لوضع هذه الأحياء مهم جدا مهما كان قاسياً أو صعباً، فكرة الثلج يجب أن تذاب وأن لا ندعها تكبر مع الوقت فتصبح إذابتها أكثر صعوبة وإيلاما.

من أهم مبادئ الإدارة الناجحة مبدأ المبادرة، فمبادرة المسؤول هي نجاحه، فإن اجتهد وأخطأ فله أجر اجتهاده وإن أصاب فله أجران، نتمنى أن لا تمر هذه الأزمة إلا بدروس يعالج من خلالها مجمل تلك التجارب بمختلف الجهات الحكومية والمجتمعية كل في حدود اختصاصه واهتمامه، وما نأمله أن تكون هذه الأزمة عونا للمخلصين من أبناء هذا الوطن وعلى رأسهم سمو أمير منطقة مكة المكرمة في تنفيذ الخطط الطموحة لتطوير البنية التحتية لمختلف أحياء مدينة جدة، فما حصل في الشرق في هذا الموسم قد يحصل في منطقة الغرب في موسم آخر وقد يحصل في منطقة أخرى من مدن المملكة، فيجب أن يستثمر الجانب الإيجابي من هذا الحدث في إعادة خطط تنفيذ المشاريع الحكومية ورفع مستوى جودتها بما يتفق مع المقاييس العالمية للسلامة والجودة وتأدية أهداف تلك المشاريع.


الظفر بالغنائم

في ظل كل هذه المصائب يأتي متطفلون ومرتزقة يتلذذون بالسرقات والسطو في مثل هذه الأجواء والظروف الأمنية، فتجد من يجمع في أكياسه ما خف وزنه وغلا ثمنه، وتجد من يحوم بالسيارات المدمرة ويكسر زجاجها والبحث في حطامها عن أي غنيمة مجزية. رأيت بأم عيني من يتنقل بين المحلات التجارية والصيدليات المحطمة بغية الظفر بما بقي من الغنائم، رأيت بأم عيني أيضا من يرقص ويلتذذ بآلام الآخرين فتراه يقف في وسط الطريق المتاح والذي يتسع لسيارة واحدة فقط ليقوم بالتقاط الصور أو لتمكين أبنائه من مشاهدة الدمار. ولا يدري أنه بذلك يؤخر على الجهات ذات العلاقة إنقاذ مصاب أو إيصال حقنة دواء لمسن أو مريض يصارع آلام الموت، أو إيصال شموع أو مياه صالحة للشرب لساكني تلك الأحياء. كل هذه المناظر وأكثر لا يتسع المقال لسردها كانت حاضرة للأسف في كارثة أمطار جدة.


مشروعات معيبة

جزء كبير من آثار هذه الكارثة وإعادة إعمار ما تضرر منها وما شابهها من مشاكل هندسية موجود مسبقا وبعضها لم يأت اليوم الحاسم لاختبارها وانكشافها يدخل ضمن اهتماماتي كمهندس أمضى أكثر من 23 سنة في هذه المهنة وأحبها من أعماق قلبه، وردا للجميل لهذا الوطن ولحكومته التي أتاحت لنا فرصة التعلم والابتعاث إلى أرقى الجامعات أن ننساهم ولو بالرأي والتجربة، فالحق يقال إن الوضع الصحيح لتنفيذ تلك المشاريع غير صحي بأن تدار تلك المشاريع ذات الأرقام المليارية بأيدي مهندسين بعضهم لا يتعدى كامل مستحقاته الشهرية العشرة آلاف ريال، وهذا أيضا ليس مبررا أن تصل جودة ورداءة بعض المشاريع إلى هذا الحد أو أن يكون ذلك قبولا ضمنيا أو تشجيع جانب الفساد الهندسي، وإنما جميع العاملين من مهندسين وفنيين ليس لديهم القناعات والأخلاقيات المهنية في تصميم أو تنفيذ أو الإشراف على تلك المشاريع والتي من المفترض أنها تنطلق من عقيدتنا السمحة، فأقترح دراسة أي تعديل أو تطوير لمعدل دخول المهندسين بما يتناسب وحجم مسؤولياتهم، وبها وبدونها أيضا ندعو للمحاسبة الصارمة لكل مقصر ولكن في حالة وجود البدلات المجزية والحوافز الملائمة سوف نجد مخرجات المشاريع أفضل بكثير مما هو عليه الآن وستتم محاصرة واستئصال الكثير من العناصر السيئة والمسيئة للمهن الهندسية سواء في القطاع العام أو الخاص.

التعليقات