التحرش الجنسي في الفيلم الفلسطيني فرط رمان الذهب يثير جدلاً كبيراً بين جمهور الضفة الغربية

التحرش الجنسي في الفيلم  الفلسطيني فرط رمان الذهب يثير جدلاً كبيراً بين جمهور الضفة الغربية
رام الله-دنيا الوطن
لا يمكن أن يمر فيلم "فرط رمان الدهب" للمخرجة غادة الطيراوي مرور الكرام، وبالفعل هذا ما حدث عند عرضه في العديد من المحافظات، في إطار مشروع "مسارات" السينمائي لمؤسسة "شاشات" بدعم من الاتحاد الأوروبي، والذي يقوم على إنتاج عرض أربعة أفلام قصيرة عن نساء فلسطينيات، قام بإخراجها أربع مخرجات فلسطينيات بإشراف المنتجة علياء أرصغلي.
والفيلم يعالج بذكاء كبير، ورؤية فنية راقية ومبهرة، دمجت في الجانب السردي ما بين الحكاية الشعبية التي تحمل اسم الفيلم، وتضمنها كتاب "قول يا طير" للبروفيسور شريف كنعان، وما بين الروايات الحقيقة لفلسطينيات تعرضن للتحرش الجنسي على يد واحد أو أكثر من أفراد أسرهن، في حين دمجت على صعيد التنكيك ما بين فكرة الراوي، حيث قامت سيدة بسرد حكاية "فرط رمان الدهب" الشعبية، وما بين روايات الضحايا، في حين تراوح التصوير ما بين السينما ذات الحساسية العالية والرسوم المتحركة التي أضافت للفيلم بعداً جعله أكثر قرباً من المتفرج، وأكثر تشويقاً في آن واحد.
الفيلم عرض في العديد من المراكز الثقافية والنسوية والجامعات، من بينها المركز الثقافي لتنمية الطفل في طولكرم، حيث أثار نقاشاً واسعاً كما العروض السابقة واللاحقة له، على مدار أسبوع .. وقالت د. رجاء سرغلي، والتي أدارت النقاش: الفيلم فريد من نوعه حيث دمج الحكاية الشعبية مع روايات لنساء تعرضن للاضطهاد واتبعن سياسية الصمت التي كانت قديماً هي الوسيلة لتستمر في حياتها كيفما اتفق وتتبع المثل القائل "غلب بستيرة ولا غلب بفضيحة"، متسائلة باستنكار عن مدى نجاعة هذه الطريقة في الحياة.
من جهتها عبرت مها حنون، مديرة المركز عن إعجابها بطريقة إخراج الفيلم، وقالت: لفت نظري أن الخوف هو المسيطر في الحكايات الشعبية والواقعية التي تضمنها الفيلم، متسائلة عن أسباب ربط الحكاية بالتحرش الجنسي فقط دون غيره من أشكال العنف الممارسة ضد المرأة، كما أشارت إلى أن الكذب صفة اقرب من الخوف والصمت في الحكاية الشعبية، لأن "فرط رمان الدهب" كانت تقول غير ما ترى، وهذا لا يتماشى مع شهادات النساء الأخريات الحقيقة..وهنا أكدت د. سرغلي أن الصمت في الحكاية ناتج عن خوف شديد كما هو الحال في حالات التحرش الجنسي وفي الحالة الأولى لا يمكن أن يصدق أن الأستاذ أكل طلابه وفي حالة النساء عادة في مجتمعنا تقع اللائمة على النساء حتى لو كن هن الضحايا .. الحديث عن ما تتعرض له هؤلاء الضحايا يعتبر جريمة مجتمعية لا يمكن تجاوزها.
أما د. سهام ثابت، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، فأعربت عن إعجابها بالفيلم، وقالت: إذا كان هناك رسالة فهي ان البنت يجب أن تتسلح بالوعي قبل أن تخرج إلى معترك الحياة .. الفيلم تعرض لأكثر انواع الاعتداءات خطورة، وهي زنا المحارم الذين من المفترض ان يكونوا هم عنوان الأمان، مشددة على أنه ليس من السهل ان يصدق المجتمع أن ما ترويه الفتاة رواية صادقة، مؤكدة: نحن بحاجة إلى تربية وتوعية وقوانين لحماية المرأة .
وفي وقت أكدت فيه رجاء القاروط على أن التركيز على الاعتداءات الجنسية داخل الأسرة يوحي بأن سفاح القربى بات ظاهرة في مجتمعنا وقالت: أرفض مثل هذا الكلام فوجود بضع حالات ليس بالشيء الكثير، اعترضت د. سرغلي منوهة إلى أنه لا يجب أن نعيش حالة من الصمت حتى تتحول هذه الحكايات إلى ظاهرة، وقالت: هي مشكلة وبحاجة لتسليط الضوء على أسبابها وعلاجها وما يظهر في الإعلام هو اقل من الحقيقة لأن أسلوب "الطبطبة" والخوف من العار أو فقدان الحماية من الأب المعتدي على ابنته موجود.. وأضافت: الرؤية فلسطينية والمخرجة فلسطينية وأنا شاهدة عيان لحالة اغتصب الأب فيها ابنته وحملت منه سفاحاً، وجاءت الأم ليس للشكوى على زوجها وإنما لاستشارتنا في كيفية تخلص ابنتها من الجنين .. ما نقلته المخرجة الطيراوي في فيلمها موجود بواقعنا وليس بالإيعاز من أحد.
وتحدثت النساء في عرض طولكرم، والعرض الذي استضافه مركز المرأة للإرشاد القانوني في الخليل، عبر شهادات حية، بعضها لطبيبات متخصصات في النسائية والتوليد، عن قضية غاية في الأهمية، وهو تواطؤ الأمهات في الأسر التي تتعرض البنات فيها لاعتداءات جنسية داخل العائلة، وصمتهن، وبحثهن الدؤوب عن التخلص من الأجنة في حال حدوث حمل بدلاً من إسناد بناتهن والبحث عن طرق لمعاقبة الجناة، في حين تغض بعض الأمهات الطرف عن تحرش أزواجهن أو أبنائهن ببناتهن، رغم علمهن التام بما يحدث، من باب "عدم كشف المستور"، و"الخوف من الفضيحة"، مشيرات إلى أن هذه الأدوار السلبية للأمهات تساهم في ازدياد الاعتداءات الجنسية داخل العائلة، ومشددات على ضرورة المكاشفة بين الضحايا وأمهاتهن، وهذا ما أكدته المحامية هيام قعقور، رئيسة قسم الخدمات في المركز.
ولدى عرض الفيلم في النادي النسوي التابع لجمعية تنمية المرأة الريفية في "بيت فجار" قرب بيت لحم، أكدت المشاهدات على أهمية الفيلم، وجرأته، خاصة أنه يقدم الواقع والتوعية، والدعم النفسي أيضاً، فهو ووفق العديد من المشاهدات فيلم ضد الصمت، وبالتالي مع تعزيز الذات، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل، وعدم اليأس.
واستقطب الفيلم في العرض الذي استضافه النادي النسوي التابع لجمعية تنمية المرأة الريفية في "حوسان" قرب بيت لحم، وحسب كفاح مناصرة المشرفة على العروض، فإن الفيلم أثار نقاشاً حيوياً بين السيدات، والملفت أنه استقطب الفتيات أيضاً، رغم أنه يتحدث عن موضوع خاص وحساس وفق ما عبرت عنه بعض المشاهدات .. وتضيف مناصرة: استخلصت المشاهدات من عرض الفيلم خصوصية وضع المرأة الفلسطينية التي تعاني داخل المنزل وخارجه، وأنه بيدها إذا ما تخلت عن مخاوفها، وكسرت جدار الصمت، أن تخرج من الواقع المجتمعي الصعب الذي تعيشه، مستنكرات المعاقبة المجتمعية للمعتدى عليهن في حالات "سفاح القربى"، في حين أن المعتدين أحرار طلقاء.
وحول عرض الفيلم في جامعة النجاح الوطنية، واستهدف طلاب وطالبات أقسام الإعلام، وعلم الاجتماع بالأساس، إضافة إلى طلاب من أقسام أخرى، وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني، تقول روضة بصير، مديرة مركز الدراسات النسوية: وصف الجمهور الفيلم بالرائع من حيث الفكرة، والتنفيذ، خاصة ما يتعلق بالصورة، والإضاءة، والرؤية الإخراجية، مشيرين إلى أن خصوصيته تمكن في كونه يتطرق لموضوع مسكوت عنه داخل المجتمع الفلسطيني، و"يضرب على الوتر الحساس".
ومن وحي الفيلم، تطرقت الفتيات إلى مواضيع شائكة منها التحرش من قبل الشبان، سواء أكانت الفتاة محجبة أم لا، وإلى دور الحركة النسوية في حماية ضحايا "سفاح القربى" أو "زنا المحارم" .. والتهبت القاعة حين اعترف أحد الشبان بأنه وعلى الرغم من كونه ينتمي لأسرة محافظة إلا أنه "ما بترك أي بنت من شره".
وأشارت بصير إلى أت الحضور أكد على أهمية استخدام فيلم "فرط رمان الدهب" في التوعية، بل إن البعض ذهب إلى ضرورة تدريس مساقات خاصة بالتربية الجنسية في المدارس والجامعات، بطريقة لا تخدش الحياء العام من جهة، ومن جهة أخرى تحقق غرضها في التوعية.
من جهته قال أيمن النمر، مدير إذاعة صوت النجاح: الفيلم كان رائعاً على كل المستويات: الفكرة وطريقة المعالجة والتقنيات، علاوة على كونه استقطب جمهوراً واسعاً من داخل وخارج الجامعة.
وأضاف: شعرنا أن اهتمام الحضور بالفيلم كان كبيراً بحيث تجاوزوا الوقت المحدد للنقاش ..تم إنهاء النقاش في ذروته، وهذا يعني أن النقاش لا يزال مفتوحاً.. إضافة إلى موضوع الفيلم فتح آفاقاً إضافية في النقاش حيث تشعب إلى حوارات جانبية بحيث تطور باتجاه مناقشة سلوكيات الطلاب والطالبات في الجامعة .. الفيلم خلق نقاشاً لم يكن بالإمكان فتحه لولا عرض الفيلم، وبالتالي منح "فرط رمان الدهب" فرصة لجمهور الطلبة للحديث في مواضيع من الأمور المحرم مناقشتها في غير مناسبة.
وختم النمر حديثه: أشعر بالفخر أن العرض في جامعة النجاح الوطنية مر بسلاسة، وأنه سادت حالة من التفهم لرسالة الفيلم رغم تحفظ جهات أخرى عليه، نتيجة تركيزها على جزئيات صغيرة ليست هي رسالة "فرط رمان الدهب".

التعليقات