اعصار الصحفي السويدي دونالاد بوستروم والهجوم الاسرائيلي السافر

اعصار الصحفي السويدي دونالاد بوستروم والهجوم الاسرائيلي السافر

شنت اسرائيل حكومة واحزابا واعلاما ومؤسسات المجتمع المدني هجوما مسعورا وغريبا على الصحفي السويدي دونالاد بوستروم وعلى صحفية أفتون بلادت ( صحيفة المساء) وعلى الحكومة السويدية, ولاأحد يعلم كيف ستنتهي هذه الأزمة. وقد استعملت اسرائيل بكثافة في هذا الهجوم كل الأسلحة الثقيلة كالمحرقة والعداء للسامية, وللعلم فان هذه الأسلحة فتاكة وقاتلة في العالم الغربي ولايصمد أمامها الا كل طويل عمر.
وقد تمادت اسرائيل في ضغطها على السويد فمن طلبها اعتذاراً من الجريدة السويدية الى طلبها من وزير خارجية السويد أن يتبرأ من المقال فالى طلب رئيس وزراء اسرائيل من رئيس وزراء السويد الاعتذار لاسرائيل والشعب اليهودي.
بل ووصل الحد بها الى دعوة مواطنيها للتظاهر أمام السفارة السويدية في تل أبيب وتشجيع حملة مقاطعة لكبرى الشركات السويدية.
فمن هو الصحفي الشجاع دونالاد بو ستروم صاحب هذا الاعصار؟
هو مصور صحفي مناصر للقضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة وفي عام 1987 قام مع مجموعة من أنصار القضية الفلسطينية وبالتنسيق مع القيادة الفلسطينية أنذاك في محاولة ارسال "باخرة سلام" الى ميناء حيفا وعلى متنها مجموعة من انصار السلام وبعد شراء الباخرة ب خمسة ملايين دولار كان الموساد الاسرائيلي بالمرصاد فأغرق الباخرة وتبدد هذا المشروع. كما انه زار الأرض الفلسطينية مرات عدة وجمع كثيرا من الوثائق عن جرائم الاحتلال وقد اختارته الأمم المتحدة كمصور عام 1992 ليكون من مجموعة ممثليها لتوثيق تصرفات الاحتلال الاسرائيلي بالضفة الغربية. وقد زار دمشق السنة الماضية وقام بتغطية مهرجان دمشق عاصمة الثقافة العربية, كما انه كتب كتابا مشهورا بعنوان " انشاء الله" والذي لاقى رواجا رائعا في السويد و يشارك حاليا في مشروع ضخم "باخرة من أجل غزة".
أما مقالته الأخير فهي بعنوان" انهم ينهبون اعضاء أولادونا" فماذا قال في هذا المقال؟
المقال يتحدث ببساطة ودقة حادة عن تصرفات جنود الاحتلال الاجرامية في فترة الانتفاضة الأولى. كيف يقتلون ناشطا فلسطينيا بدم بارد على طريقة رعاة البقر الامريكي ثم يعتقلون جثتة ويعيدونها الى اهلة بعد فترة وقد تم تشريح جثتة وخياطته يشكل تقشعر له الأبدان. ثم ربط ذلك بطريقة غير مباشرة مع تجارة الأعضاء البشرية في اسرائيل والعالمية بواسطة رئيس عصابة وحاخام الجالية روزنبام والتي تم القبض عليه في بداية شهر اب في ولاية نيو جرسي بامريكا.
ثم طرح بوستروم مجموعة من الأسئلة على الاحتلال وطلب الاجابة عليهم فكان جوابه المحتل حملة مسعورة مستعرة عليه وعلى الجريدة وعلى السويد والعالم الغربي.
ما هو السر وراء هذه الهجمة الاسرائيلية الوقحة والجنونية ؟
باعتقادي ان هناك مجموعة من الآسباب الاسرائيلية الذاتية والموضوعية وراء ردة الفعل المحمومة والموتوره هذه.
أولا: ان خطورة مقال السويدي دونلاد بو ستروم تأتي من جانب أنه ربط جرائم المحتل بتجارة اعضاء البشر العالمية ومع الشبكة الأمريكية واليهودية. هذه الشبكة والتي يرأسها صناع القرار في ولاية نيوجرسي مع قادة وحاخامات الجالية اليهودية والتي تقوم بتجارة غسيل الأموال وتجارة الأعضاء البشرية مابين اسرائيل وامريكا. ويمكن ان تتوسع هذه الدائرة لتشمل المخدرات والدعارة, وهذا يقود الى أن مراكز اللوبي الصهيوني الأمريكي اصبحت في مرمى الاتهام والخطر. وهذا مايجعل بالتالي اسرائيل تفقد الجزء المهم من أوراق قوتها في امريكا.
ثانيا: السويد تترأس الاتحاد الأوروبي, والاتحاد الأوروبي يلبي دائما الرغبات الأمريكية وبالتالي فان اسرائيل ستتعرض لنوع من الضغط بخصوص المستوطنات في الضفة الغربية والقدس ومن اجل الاستمرار في عملية السلام. اذاً فان الهجوم و التصعيد الاسرائيلي هذا, هو نوع من أنواع الضغط والابتزاز والتأثير المضاد على الخصم قبل بدأ المفاوضات للحصول على مكاسب أفضل.
ثالثا: لقد تصدت سفيرة السويد في اسرائيل " من عائلة يهودية تملك تاريخيا اضخم دور النشر في السويد" ونددت بهذا المقال باسمها كسفيرة وباسم الشعب السويدي وهذا ما أثار ردود فعل غاضبة من الفئات المثقفة السويدية والتي طالبت وزير الخارجية كارل بيلد بوجوب تأديب هذه السفيرة. وهذا يعني بالعرف الدبلوماسي استدعاؤها وتوبيخها ومن ثم فصلها.
فماذا ستفعل اسرائيل لحماية أصدقاؤها وأبناء جلدتها غير الضغط على الحكومة السويدية لمنعها من الاقتراب وتأديب السفيرة.
رابعا: ان الحكومة الاسرائيلية تمر بفترة حرجة من الضغط العالمي ومن فضائح داخلية كثيرة من وزير الخارجية الفاشي ليبرمان والى نائب رئيس الوزراء يعلون والذي وصف حركة السلام الاسرائيلية بانهم فيروسات. كما أنها فشلت في عدوانها على لبنان وغزة لذلك فان الحكومة الآسرائيلية تعتبر تلك الحدية والتصلب بقضايا خارجية نوع من التعويض على فشلها.
خامسا: هي حملة قمع وارعاب وابتزاز عالمي ضد كل من يتجرأ على الكيان, فمثلا قبل اسبوع تقريبا تم في رومانيا القاء القبض على عصابة تتاجر ببيوض الاناث – وهي تجارة باعضاء البشر- ومن بين اعضائها الرئيسيين اثنان من الدكاترة الاسرائيلين ولم تستطع وسائل الاعلام الرومانية أو الغربية التعليق على ذلك.
أما رد فعل الحكومة السويدية فكان واضحا فاستعانت بالقانون الاساسي السويدي والذي ينص على حرية الرأي وحرية الصحافة وبدون تدخل السلطة التنفيذية. والحقيقة أن الحكومة السويدية لاتستطيع فعل غير ذلك والا فانها ستفقد تأييد الشعب السويدي في انتخابات البرلمان الصيف القادم.
أما ردود فعل الاعلام السويدي فقد كان الصحف السويدية بمجملها مع قرار الحكومة ومع حرية الاعلام ولكن هذا لايعني تأييدا لما جاء في المقال.
اما الجمهور السويدي فقد كان بمجمله مع الحكومة السويدية بعدم تقديم اعتذار لاسرائيل.
وقد اجرت الصحف استطلاعا للرأي فاظهر ان حوالي 70% من الشعب السويدي يرفض تقديم اعتذارا لاسرائيل.
أما المؤسف له فهو الموقف الفلسطيني الرسمي فلم "ينبس ببنت شفه" وهو الذي عودنا دائما على بيانات نارية صادرة من الحكومة أو القيادة عند أتفه الأسباب. ولكن امام هكذا حالة ومن حق من حقوق للشعب الفلسطيني فالكل يصاب بالخرس.
وفي المقابل فقد أصدرت عدة تنظيمات فلسطينية بيانات تدعم رؤية بوستروم وتطالب بفتح تحقيق جدي, ولكن يبدو أن التقصير قد عمّ الجميع.
ان هذه فرصة نادرة قد جاءت لشعب فلسطين, والمطلوب حملة فسلطينية رسمية وشعبية تستغل هذا الجدل الدائر في العالم وتستطيع فيه تقديم كل الوثائق والشهادات المطلوبة للصحفي بوستروم ولوسائل الاعلام العالمية ولكل المؤسسات الدولية من أجل فضح عنصرية وبشاعة هذا الكيان.
اما ردود الفعل الفلسطينية والعربية في السويد فقد كان بطيئا وضعيفا لحد الآن. فقد كتبت عدة مقالات بالعربية تدعم الكاتب والحكومة السويدية. وهناك مشروع تجمع في ساحة استكهولوم تأييدا للكاتب وتنديدا باسرائيل.
كما أن الصحفي دونلاد بوستروم قد وافق على دعوة جمعية الشعب الفلسطيني في أوبسالا لعقد ندوة له ولمشاركة الجالية الفلسطينية والعربية بمأدبة رمضانية الاسبوع القادم.

اميل صرصور
أوبسالا, السويد 2009-08-26

التعليقات