إنتاج فيلم درامي فلسطيني مغامرة غير محسوبه أم نقطة تحول؟

إنتاج فيلم درامي فلسطيني مغامرة غير محسوبه أم نقطة تحول؟
إنتاج فيلم درامي فلسطيني "مغامرة " غير محسوبه أم "نقطة تحول"؟

بقلم: أنس أبوسعده - هولندا

هناك في الركن البعيد فرحٌ وغناء .. عرسٌ وعريس وعروس .. وهنا في الزقاق حزن وبكاء على شهيد.. وفي البيت المجاور امٌ تدعو الخالق أن تكحل عيناها بابنها السجين ... لعل الأقدار تجمعهما قبل الوداع الأخير .... وفي مكان غير بعيد، فرحة وانتظار لمولود جديد ... وفي الجوار ضحكات ورقص وأهازيج لنجاح ابن القرية النجيب... وامه تكسر حاجز الصمت في القرية فرحاً بابنها، فتطلق للعنان الزغاريد ... وبنات القرية يتهامسن عن قصة حب وليد .. عن عشق نقي برىء جميل..
وهناك وفي صباح جمعة مباركة، تجمع الأهالي، كبارهم وصغارهم.. هتفت الحناجر .. اعلنت الرفض وعدم الخضوع للمحتل .. استنكرت الحصار، ودعت الى ازالة جدار الذل والعنصرية .. صاحت لا للفساد، لا للظلم .. وفي نفس المكان تخّضبت الأرض بالدماء الطاهرة.. تفرق الناس بعد هذه المنازلة على وقع غاز الدموع والضرب والاعتقال .. مصّممين على العودة الى نفس الساحة في الجمعة المقبلة ..
هذا هو "الفلسطيني" مشاعر مختلطة.. هو ككل الناس.. يفرح ويحزن.. يحب ويكره.. يعشق حتى الثمالة، ويرفض ويكره الغبن لآخر قطرة دم .. يضحك من أعماق أعماقه.. ويبكي بصمت حين يواجه المصائب.. يتصرف كالرجال حين يلزم ذلك.. وحنون بلا حدود حين يستوجب الحنان والعطف..
كل هذه المشاعر الانسانية المختلطة وغيرها، هو ما دفعني الى فكرة فيلم درامي فلسطيني، ومن بعدها الى انتاجه.. خاصة بعد أن أصبح الفلسطيني أينما كان، يوضع في قالب ضيّق، لا يملك فيه الا مشاعر من لون واحد.. أو على الاقل لا يحق له الا أن يحزن ويكره ويبكي.. وقدره الوحيد ان يُعتقل ويُجرح ويستشهد ويُهدم بيته .. قدره الوحيد في هذه الدنيا ان يقاوم ويُطارد ويُعذب!!

وانعكاساً لكل ذلك ، اصبحت كل افلامنا الوثائقية منها أو الدرامية لا تتحدث الا عن هذا القالب وعن تبعاته.. لم تولد لنا سينما بالمعنى الصحيح .. تأخذ على عاتقها الحالة الخاصة للإنسان الفلسطيني بكل مشاعره الانسانية المميزة ... بل صنع لنا اشقاؤنا وبالذات السوريون دراما تتحدث عنا بطريقتهم .. شاهدناها ولم نلتفت كثيرا انها تتحدث عنا .. وان حدث ان بادر احدنا الى صناعة دراما فلسطينية، فهي في الغالب تعتمد على توفر دعم المؤسسات الدولية المانحة .. لتكن في المحصلة دراما على المقاس، وبلون تلك المؤسسة.. وقد تكون فرصة ذهبية للكثيرين، لوصمنا بالتهمة الدائمة، وهي اننا نتحدث عن انفسنا ولو بشكل درامي للحصول على المال !!

والآن وحين خرجت فكرة فيلم فلسطيني درامي، والذي يعود الفضل الى الاقتناع بها الى الكاتب الروائي والسينمائي سليم دبور .... طرحت فكرتي وخميرة القصة عليه، واذا به يخرجها الى النور سيناريو وحوار ليس من السهل وصفه.... قلت له هذا ما أريده .. اريد فيلما يُخرج الفلسطيني من القالب الأسود .. اريده يتحدث عني وعنك وعن الانسان الفلسطيني .. اريده فيلماً يجمع كل المشاعر الانسانية .. اريده حباً وعشقاً، مقاومة وصموداً، صبراً ونجاحاً، تعثراً ووقوفاً، تألقا وسحراً، اريده ولادة جديدة لشيئ مميز وجديد، اسمه دراما فلسطينية خاصة .. اريده بداية جديدة بدون انغلاق او تقوقع .. اريد ان يشاهده نصف العرب، بل العرب كلهم، وغير العرب .. اريده بحق "نقطة تحول"..

التعليقات