الأردن يخطط لعلاقة استراتيجية مع حماس

عمان-دنيا الوطن
خلصت حلقة نقاشية متخصصة إلى أن الأردن يتجه نحو بناء علاقة استراتيجية مع حركة "حماس".
نظم الورشة مركز دراسات الشرق الأوسط في العاصمة الأردنية، وشارك فيها كل من الدكتور أحمد الشناق أمين عام الحزب الوطني الدستوري، الدكتور صبري سميرة، محلل سياسي وأستاذ علوم سياسية، الدكتور رائد نعيرات رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح بمدينة نابلس بالضفة الغربية، اللواء الركن المتقاعد موسى الحديد باحث استراتيجي في كلية الدفاع الوطني، فايز الشخاترة ناشط سياسي، نواف الزرو كاتب وباحث ورئيس القسم العبري في صحيفة "الدستور" الأردنية، ناهض حتر كاتب صحفي في جريدة "العرب اليوم"، د. عزام التميمي، مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي/ لندن، المهندس عزام الهنيدي عضو مجلس النواب الأردني، والدكتور عصام ملكاوي باحث استراتيجي في كلية الدفاع الوطني، وأدار الحلقة جواد الحمد مدير المركز.
في البداية أكد الحمد أهمية القضية الفلسطينية استراتيجيا لدى الأردن، إذ شكلت القضية وتداعياتها عاملا اساسيا في صياغة سياسة المملكة وتحالفاتها الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى ارتباط الأردن الوثيق بمخرجات القضية سواء تقاطعت تلك المخرجات مع مصالحه أو تعارضت معها.
أما مرحليا فقد فرضت كثير من المعطيات على صانع القرار الأردني إعادة قراءة الواقع السياسي في المنطقة، سواء بسبب تغيرات في النظام الدولي أو تزايد أهمية وقوة "حماس" ونفوذها سياسياً وأيدولوجيا واجتماعيا وأمنيا، أو بسبب تراجع الأطراف الأخرى على الساحة الفلسطينية امامها، الأمر الذي دفع صانع القرار الأردني إلى إعادة قراءة علاقاته الإقليمية ودروه فيها، ولذلك بادر إلى دعوة حركة "حماس" ـ وهي اللاعب الرئيس على الساحة الفلسطينية، ووليد الحركة الإسلامية في الأردن ـ إلى حوار مباشر لإعادة تنظيم العلاقة وترتيبها وبناء علاقات جديدة تقوم على تحقيق المصالح الإستراتيجية المشتركة.
وأكد الحمد على أن ثمة مصالح متبادلة عديدة بين "حماس" والأردن أهمها:
1- حماية الأردن وكيانه واستقلاله من مشروع الوطن البديل أو الخيار الأردني لتصفية القضية الفلسطينية.
2- حماية مصالح الأردن في الضفة الغربية ودوره في القضية الفلسطينية.
3- حماية واستعادة الحق العربي في القدس وحق العودة الفلسطيني.
4- قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس.
5- تخفيف ـ وربما إنهاء ـ الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على حركة "حماس".
6- تشكيل حالة توافقية تساعد على الإستقرار السياسي والإجتماعي في المملكة.
7- دعم الشرعية العربية لحركة "حماس" خاصة وهي في الحكم في السلطة.
8- المساعدة على تفعيل دور الأردن الإقليمي وفي السياسات الدولية تجاه المنطقة.
مداخلة سميرة
الدكتور سميرة أكد حول التحولات الدولية والإقليمية المؤثرة استراتيجيا على الواقع الأردني والفلسطيني، تراجع سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، وعدم قدرتها على الإستمرار في التأثير على صانعي القرار في أنظمة الإقليم. كما أشار إلى التراجع الملحوظ لإسرائيل سياسيا وأمنيا وعسكريا في عدة منعطفات، الأمر الذي دفع دول "الإعتدال العربي" إلى البحث عن ضمانات للإستقرار غير ما يسمى بـ الضمانات الأميركية.
وأشار إلى أن صمود "حماس" في قطاع غزة وقدرتها على مواجهة المؤامرات ومحاولات اسقاطها، وقدرتها على ضبط الأمور في القطاع بمواجهة الحصار وفرض الأمن والإستقرار الإجتماعي شجعا الأردن على إعادة النظر بتنظيم التغييرات في الساحة الفلسطينية.
وقال: على الصعيد المحلي شكل تزايد التوتر بين الحكومة الأردنية والمعارضة بعد الإنتخابات البلدية والنيابية عاملا مهما لدفع صانع القرار الأردني إلى البحث عن مصالحه وحفظ استقراره، لا سيما أن الأردن دولة محورية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتشكل حركة "حماس" عموداً.
وأكد ناهض حتر أن العلاقات مع "حماس" كانت موضع حوار داخلي اردني موسع قبيل هذا الإنفراج.
مداخلة النعيرات
وفيما يتعلق بتزايد أهمية "حماس" ونفوذها في فلسطين بين الدكتور رائد نعيرات أن "حماس" حركة وسطية ليست متطرفة لها مكانها وحضورها السياسي على الساحة الفلسطينية وخارجها عند كثير من الشعوب العربية والإسلامية، وهي تسعى إلى التواصل مع العمق العربي والإسلامي، اضافة إلى العمق الأوروبي والروسي، مما يجعل استعدادها لإقامة علاقات مع المحيط القريب حاضرا.
كما أكد على أن "حماس" استطاعت أن تدير قطاع غزة بنجاح وتحت الحصار، مما جعل وزنها السياسي يزداد على حساب الأطراف الفلسطينية الأخرى، ناهيك عن تزايد شعبيتها في الضفة الغربية، لا سيما بين النخب السياسية والثقافية، بسبب ممارسات وإجراءات حكومة السلطة ورئاستها وأجهزتها التي تقودها حركة "فتح".
وبين أن تزايد النفوذ هذا يأتي في ظل عدم قدرة حركة "فتح" على حلّ مشاكلها الداخلية وتزايد الإنقسامات فيما بينها، وظهور حالة الإستقواء الفتحاوي على معظم شرائح المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، وخصوصاً كوادر "حماس" وأنصارها، وتزايد تهديد السلم الإجتماعي، وتزايد حالة الإحتقان الإجتماعي، والتدهور الإقتصادي العام، والعجز عن تحقيق أي تقدم سياسي أو ميداني سواء على صعيد المفاوضات، أو على صعيد العلاقات الفلسطينية ـ العربية، الأمر الذي شكّل قراءة تؤكد بأن "حماس" هي من يستطيع صناعة المستقبل الفلسطيني الداخلي والخارجي دون الإضرار بمصالح الآخرين أو تهديد أمنهم ومستقبلهم، وهو ما لفت انتباه الأردن على ما يبدو لتعديل اتجاه مسار علاقاته مع "حماس".
وعقب فايز الشخاترة بأن المسيرة الفاشلة نحو التسوية السياسية لحركة "فتح" كان من عوامل تقدم حركة "حماس" وتقدم علاقة الأردن معها.
وعقب اللواء موسى الحديد بأن التحول الذي جرى بين "حماس" والأردن هو تحول تكتيكي، وأن الحكومة الأردنية تساير التأييد الشعبي المتزايد لحركة "حماس" في المملكة.
مداخلة حتر
وحول علاقات "حماس" بالأردن من حيث الدور والحاجة المتبادلين فقد أوضح ناهض حتر أن الحاجة المتبادلة غير مستجدة، ولا انفكاك فيما بينها لأسباب سياسية وجغرافية وديموغرافية وغيرها، فالأردن معني من جهة أمنه الوطني بحقوق الشعب الفلسطيني، وأهمها حق العودة، وباستقرار الداخل الفلسطيني حتى يمنع انهياره وتدفقه باتجاه الأردن، وبتحييد نفسه عن الصراعات الفلسطينية الداخلية، وفي المقابل فإن "حماس" معنيّة أيضاً بعمق عربي وإسلامي يبدأ من دول الجوار وأولها الأردن، ولذلك فإن المصالح المشتركة بين "حماس" والأردن تتقاطع كثيراً عند مفاصل الأمن والإستقرار والديموغرافيا، ومواجهة تداعيات المشروع الصهيوني في المنطقة، والذي يهدف إلى جعل الأردن وطناً بديلاً.
وقال: إن الإتصالات الأخيرة نشأت عن ظروف داخلية اردنية اساسا، وإن الأردن يتفق مع "حماس" في مواقف سياسية تتعلق برفض مشروع الوطن البديل، وإن "حماس" جهة موثوقة يمكن الإتفاق معها على الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية دون خداع، ويمكن للطرفين التنسيق لإدارة الصراع في جانبه السلمي.
مداخلة ملكاوي
من جهته أكد الدكتور عصام ملكاوي أن القضية الفلسطينية ومنها العلاقة مع "حماس" بحاجة إلى حاضنة وعمق سواء كانت دولية أو اقليمية أو محلية، وأن الأردن معني بأن يكون حاضنة للدفاع عن القضية وعن أمنه واستقراره في الوقت نفسه. خصوصا في ظل تسريبات عن مفاوضات بين أطراف فلسطينية ـ اسرائيلية تتحدث عن خيار الوطن البديل للخروج من عنق الزجاجة، وبين أن "حماس" والأردن ـ سياسياً وأيدولوجيا ـ يرفضان مشروع الوطن البديل، بل إن "حماس" أيضاً تسعى جاهدة ـ دون غيرها من الأطراف الفلسطينية ـ لمواجهته والقضاء عليه في مهده، مما يجعل تقاطع المصالح الأردنية و"حماس" يزداد ويدفع باتجاه بناء علاقة استراتيجية بينهما، ورغم نظرة كل منهما إلى اسرائيل كدولة وعلاقات، حيث يقيم الأردن مع اسرائيل علاقة سِلْم وصلت إلى التمثيل الدبلوماسي وفتح المكاتب، بينما تعد "حماس" اسرائيل دولة احتلال، والعلاقة بينهما هي علاقة حرب وعداء، غير أن الإحتمال قائم على المدى المنظور بأن تستطيع "حماس" الوصول إلى الحكم في فلسطين على مستوى الحكومة والرئاسة على حد سواء، مما يجعل النظام الأردني معنيا بترتيب العلاقة معها مبكرا للمحافظة على مصالحه.
وقال ملكاوي: إن ثمة أسسا مهمة للعلاقة تتعلق بتبادل المنافع بين الطرفين، خصوصاً وأن ما يربط الأردن مع "حماس" أكثر مما يربطه مع "فتح" أو منظمة التحرير، وعلى الأخص فيما يتعلق برفض الوطن البديل.
مداخلة الشناق
وحول مدى التقارب والإختلاف بين "حماس" والأردن أشار د. أحمد الشناق إلى أن عوامل التقارب أكبر بكثير من عوامل الإختلاف، إذ إن رؤية "حماس" الإستراتيجية تشكل حماية للأردن، وإن امتدادات "حماس" الدولية عبر جماعة الإخوان المسلمين العالمية هي عمق استراتيجي لها ولكل الشعوب الإسلامية، بالإضافة إلى أن يد حركة "حماس" تعتبر يداً بيضاء مع الأردن دولة وشعباً، إذ لم يحدث في تاريخ الحركة أن تصارعت مع الأردن أو مع غيره من الدول. مما يدفع باتجاه التقارب وبناء علاقة تقوم على المصالح المشتركة. واعتبر الشناق الإبقاء على حالة القطيعة التي استمرت منذ 1999م حتى قبل حوالي شهرين أمرا مضرا بالأمن والمصالح الأردنية ومصلحة القضية الفلسطينية.
خمسة سيناريوهات
وفي نهاية الحلقة أكد الأستاذ جواد الحمد أن ثمة محددات للعلاقة بين الطرفين وفي رسم سيناريوهات هذه العلاقة، وتلعب دورا مهما في تحديد نجاح المباحثات بينهما لإعادة رسم العلاقة تكتيكياً أو استراتيجيا، ومن أهم هذه المحددات: دوافع الإنفتاح وأسباب الحماسة لدى الطرفين، وجدية الحوار بينهما في التقدم نحو علاقات مستقرة، وقدرة "حماس" على المحافظة على الإستقرار الداخلي الفلسطيني والسيطرة على الضفة، وقدرتها على إحداث اختراقات في علاقاتها الدولية والعربية لصالح برنامجها، بالإضافة إلى التقدير السياسي لدى الطرفين ـ "حماس" والأردن ـ حول طبيعة المرحلة ودور كل منهما وأهميته في تحقيق مصالحه وليس على حساب الطرف الآخر، وقدرة الأردن على بلورة علاقة جادة ومستقرة مع "حماس" بوصف الأردن المحضن الأول والعمق الأقرب لفلسطين وقضيتها.
وحول السيناريوهات الممكنة فقد أشار الحمد إلى أن الحلقة اتجهت نحو خمسة، هي:
الأول: ترسيم علاقة استراتيجية.
الثاني: التوصل إلى تفاهمات وأسس مشتركة مرحلية.
الثالث: علاقة تمنع تفاقم الخلافات.
الرابع: التواصل فقط من حيث الدعوة إلى حوار وأهمية اللقاءات.
الخامس: إبقاء العلاقة في مستواها السابق، أي الفشل في التقدم نحو تحقيق مصالح ومكاسب لأي منهما.
وقال إن السيناريو المتوقع يعتمد على حركة المحددات واتجاهاتها، إلاّ أن المراقبين يرون أن الأردن اليوم أمام اختيار صعب يتعلق بمصيره ومستقبله وأمنه الوطني، وأن "حماس" تسيطر على مفاصل اساسية في ذلك، وهي قادرة على إعاقة أي مشروع ضد الأردن، أو ضد حقوق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يرجح الوصول إلى السيناريو الأول أو الثاني (ترسيم علاقة استراتيجية أو تفاهمات مرحلية على أسس مشتركة)، وأكد أن الأشهر القادمة ستكشف طبيعة التوجه وملامحه الأساسية.

التعليقات