السعودية.. اللحوم للأغنياء فقط مع توقعات بارتفاع أسعارها 50 %

غزة-دنيا الوطن
يبدو أن الغلاء الذي يجتاح كل القطاعات في السعودية سيُغيب اللحوم عن موائد شريحة ليست بقليلة من السعوديين والمقيمين من محدودي ومتوسطي الدخول، بعد أن شهدت أسعارها زيادات كبيرة خلال الفترة الماضية بلغت 50% لبعض أنواعها، وتوقعات بارتفاعها في النصف الثاني من العام الحالي بنسبة تتراوح بين 25 إلى 50%.

وأجبرت موجات الغلاء المتلاحقة الكثيرين على تغيير عاداتهم الغذائية، وأثرت في عمق كمالياتهم الحياتية، وبدأ سعوديون ومقيمون يغيرون نمط معيشتهم، ويستعدون للتخلي ليس عن جانب من سلع رفاهية فقط، بل وتخفيض سقف الأولويات، فيما أطلق شباب سعوديون حملة لشراء السلع الأرخص، على المواقع الإلكترونية بهدف تغيير السلوك الشرائي للمستهلكين.

ارتفاعات كبيرة

وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعات كبيرة منذ العام الماضي، وزادت عن 100% لكثير من السلع، في الوقت الذي تعيش فيه السعودية أزمة عقارية رفعت أسعار المساكن، إلى جانب الإيجارات إلى مستويات غير مسبوقة.

ويقود ارتفاع الإيجارات والمواد الغذائية التضخم إلى تسجيل معدلات عالية، وقفز في شهر نيسان/ إبريل الماضي إلى 10.5% وهو أعلى مستوى له خلال 30 عاما. وشرع المتضررون بالبحث عن بدائل غذائية تحتوى على معظم الفيتامينات الضرورية، وتغنيهم عن اللحوم التي بدأت تغيب بشكل ملحوظ عن موائدهم، وأدرجوا اللحوم على قائمة الكماليات، موضحين أن الغلاء ساهم في تغيير خريطة الأولويات لديهم، تقتصر على توفير بعض السلع الغذائية الأساسية، وتسديد إيجار المنزل، إضافة إلى الحرص على اقتناء مستلزمات الأطفال، مع استقطاع مبلغ محدد للحالات الطارئة.


تناول اللحوم مرة أسبوعيا

ويقول المواطن السعودي أبو هاشم الذي يعمل في قطاع الحراسات الأمنية، وهو أب لطفل عمره عامين "الظروف المادية غيبت اللحوم عن مائدتي، فأنا أحيانا كثيرة لا أتناولها إلا أربع أو خمس مرات في الشهر، وحينما أذهب لزيارة والدي بعد أن كانت دائمة الحضور على المائدة".

وأضاف لموقعنا ""دخلي لا يتجاوز 1700 ريال، يذهب منها 700 ريال لتسديد الإيجار الشهري للمنزل، و 600 ريال لتوفير بعض السلع الأساسية، فيما يوزع المبلغ المتبقي وهو 400 ريال ما بين توفير حاجات طفلي وتسديد فواتير الكهرباء والهاتف، أو دفع تكاليف المواصلات" الدولار يعادل 3.75 ريال).

واتفق معه فيصل زميله في العمل الذي لم يتزوج بعد وقال، إن اللحوم لم تعد ضمن أولوياته وأصبح يتناولها في المناسبات فقط. غير أن فيصل اختلف مع أبو هاشم في توزيع دخله الشهري والبالغ أيضا 1700 ريال وقال، إنه يتم تخصيص 500 ريال لتسديد إيجار المنزل؛ حيث يسكن في ملحق بأحد أحياء الرياض، و300 ريال لتسديد فواتير الخدمات، إضافة إلى 400 ريال لتسديد قسط القرض الحاصل عليه، والمبلغ المتبقي وهو 500 ريال، تذهب لمصاريف المأكل والمشرب وتوفير متطلبات سيارته.


..والمقيمون يتضررون أيضا

ولم يكن غياب اللحوم عن المائدة مقصورا على السعوديين من محدودي الدخل، بل امتد إلى كثير من المقيمين من أصحاب الرواتب المتوسطة.

ويقول سيد عبد الله، وهو محاسب مصري يعمل في القطاع الخاص في الرياض، إنه فعليا بدأ في شراء بدائل غذائية ذات قيمة صحية تغنيه وأسرته عن تناول اللحم، ووضعت الفول والأرز والبيض، في مقدمة هذه البدائل.

وأضاف "راتبي يبلغ 3 آلاف ريال، ومع ارتفاع الأسعار تغيرت أولوياتي وأصبح لدي الكثير من الالتزامات المرتبطة بدفع إيجار المنزل، وشراء عدد من المواد الغذائية الضرورية، مع توفير حاجات أطفالي الثلاثة واستقطاع جزء من الدخل للطوارئ والادخار".

ويقول خالد المنصور (سوري)، إن ارتفاع أسعار اللحوم جاء ليحقق العدالة في ارتفاع الأسعار لتشمل جميع أنواع المواد الغذائية الأساسية وغير الأساسية، وليزيد من الأعباء المادية على المستهلكين الذين لم يفيقوا من آثار ارتفاع المواد الأساسية كالأرز.

وأضاف، إن الارتفاعات الجديدة في أسعار اللحوم مسلسل اعتدنا عليه منذ العام الماضي، وفي كل يوم تزيد معاناتنا مع ارتفاع المواد الغذائية الأساسية، مشيرا إلى أن الغلاء أجبره على إلغاء كماليات وتقليل أساسيات، فالراتب لم يعد يكفي حتى آخر الشهر".


مؤشر خطير

ووصف الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الخثلان اتجاه بعض الأسر السعودية لتقليل اللحوم من قوائم غذائهم، بسبب ارتفاع الأسعار وتدني دخلهم الشهري بأنه مؤشر خطير.

وطالب في تصريح لموقعنا بالتسريع بإقرار حد أدنى للأجور، معتبرا أن استمرار هذا الوضع يؤخر تحقيق أهداف الدولة والمتعلقة برفاهية المواطن، والتي من أجلها تم تحديد السياسيات الاقتصادية.
وطالب بتحديد حد أدنى للأجور بما يساعد على تحقيق أهداف الدولة، ولا سيما ما يتعلق بالرفاهية الاجتماعية، وزيادة نسبة السعودة في القطاع الخاص، بعد توفير المميزات المادية التي تضمن لشاب السعودي حياة مريحة، حيث يعزف كثير من الشباب عن العمل بالقطاع الخاص بسبب ضعف الراتب.
توقعات بارتفاعات اللحوم 50%.

يأتي ذلك وسط تهديد الشركات الأجنبية برفع أسعار اللحوم البيضاء والحمراء المستوردة في النصف الثاني من العام الجاري في ظل التصاعد المستمر وغير المسبوق لسعر الطن الواحد الذي وصل إلى 9 آلاف ريال يصاحبه ارتفاع في باقي التكاليف الأخرى.

وتوقع تقرير أعده مستوردو لحوم سعوديون وحصلنا على نسخة منه ارتفاع سعر اللحوم بنسب تتراوح بين 25% إلى 50% بحسب الأصناف والأنواع مقارنة بما كانت عليه اللحوم مع نهاية النصف الأول من العام الجاري.

حملة شراء الأرخص

وفي المقابل لم يستسلم شباب سعوديون لموجات ارتفاع الأسعار، وشرعوا في مواجهة الغلاء عبر حملة أطلقوا عليها شعار "شراء السلع الأرخص"، على المواقع الإلكترونية بهدف تغيير السلوك الشرائي الحالي للمستهلكين.

وطالبت رسائل الكترونية تلقاها موقع "الأسواق نت" بتعاون المستهلكين لإيصال رسالة محددة إلى التجار مفادها، أن المستهلكين غيروا أسلوبهم في الشراء، ويبحثون عن الأرخص، وأن بإمكانهم وضع حد للارتفاع في أسعار السلع بالبحث عن الأرخص.

وقالت الرسالة "يجب استخدام أسلوب جديد في الشراء غير الذي اعتدنا عليه، فإذا أردت التسوق، وشراء مواد غذائية ستجد أصنافا كثيرة، وابحث عن السعر الأقل ولو بريال واحد، ولا تبحث عن الغالي الذي تعتقد أنه أجود، وأفضل، وذلك لعدم وجود فروقات كبيرة".

ووصف الخبير الاقتصادي سالم باعجاجة اتجاه المستهلكين لرفع شعار شراء السلع الأرخص بالخطوة الإيجابية.

وقال لموقعنا، إن هذا الأسلوب سيسهم في تحقيق نتائج جيدة خلال ستة أشهر، منها الحد من ارتفاع الأسعار المواد الغذائية، ومساعدة المستهلكين على توفير مبالغ مالية تصل نسبتها إلى 20% يمكن صرفها في إيجاد احتياجات أخرى.
وطالب باعجاجة الجهات الحكومية بالمشاركة في هذه الحملة التوعوية ودعمها، من خلال المساهمة في نشرها عبر وسائل الأعلام.

بدائل اللحوم

وتقول أستاذة علم التغذية الدكتورة قدرية جمعة عبد الجواد، إن هناك عادات غذائية خاطئة نمارسها في أطعمتنا، والمرأة يجب أن تتدرب على كيفية الخروج من هذه الأزمات وموجات الغلاء التي اجتاحت العالم أجمع.

وأضافت لموقعنا، إن قاموس البدائل في الأطعمة كبير جدا، حيث يمكن للمرأة أن توفر وجبات صحية ومتكاملة بأقل الأسعار، فبالإمكان استبدال المواد البروتينية مثل الأسماك واللحوم والدواجن، بالبيض والحليب ومنتجات الألبان، وكذلك يمكن استبدال الحليب بالبيض والأسماك.

وأضافت عبد الجواد، إنه نظرا لغلاء أسعار الأرز يمكن للسيدات السعوديات الاستعاضة عنه بالخبز الأسمر، والذي لا يؤدي إلى السمنة، مشيرة إلى أن المرأة بحاجة إلى أن زيادة وعيها بالنسبة للوجبات الغذائية البديلة، وأن تحتوي الوجبات التي تقدمها لأسرتها على الفيتامينات والأملاح المعدنية، بالاستفادة من المزايا الموجودة في الخضروات والفاكهة، فالأرز والنشويات لا يستفيد منها الجسم، وتتراكم تحت الجلد، وتتحول إلى دهنيات وتؤدي إلى السمنة.

التعليقات