الأردن يرفع شعار فلسطين التاريخية بمواجهة استراتيجية جون مكين

غزة-دنيا الوطن
لم يغب رد الفعل الرسمي الأردني تماما عن المشهد الوطني، الذي تأخر رسمه لمدة يومين، والذي شكلته تصريحات أحد مستشاري المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، التي قال فيها إن استراتيجية جون مكين تقضي بالعمل على إقامة دولة فلسطينية في الأردن..!
صحيح أنه رد الفعل الرسمي كان محدودا، ولم يرتقي إلى مستوى رد الفعل الشعبي والبرلماني، لكن هذه المحدودية لم تكن مفاجئة، في ضوء سابقات مماثلة، تضع في حساباتها ضرورة وضع اتقاء الشرور الأميركية عبر القنوات الدبلوماسية، وتشجيع ردود الفعل الشعبية الغاضبة، لإقناع واشنطن، وسياسييها أن الأردن ليس لقمة سائغة في فم أحد.
رد الفعل الرسمي تمثل في:
أولا: التسريب عبر وسائل الإعلام أن المستوى الرسمي اثارت اهتمامه تصريحات مكين، "وتتجه النية لطلب توضيحات بشأنها من المسؤولين في حملته الإنتخابية".
ثانيا: استبعاد أن يكون ما صرح به أحد مستشاري المرشح الجمهوري موقفا رسميا، وبهذا الشكل.
ثالثا: التسريب أن مكين حين زار الاردن قبل عدة شهور قال لمسؤولين اردنيين التقاهم انه يتفق مع رؤية بوش لحل الدولتين ويؤمن بضرورة حماية الأردن وأمنه.
رابعا: وضع عبارات بعينها في فم وبيانات الإستنكار التي صدرت خصوصا عن كتل برلمانية، مثل التأكيد على أن الحل الفلسطيني يكون فقط في أرض فلسطين التاريخية..!
الأردن الرسمي أصبح إذا يشجع المطالبة بفلسطين التاريخية، وهو موقف مفترق عن خيار التسوية السياسية الذي تم تبنيه لحل القضية الفلسطينية، وفي ضوئه تم توفير مظلة اردنية للوفد الفلسطيني المفاوض في مؤتمر مدريد سنة 1991.
"أرض فلسطين التاريخية" شكلت قاسمت مشتركا في كل البيانات والتصريحات التي صدرت عن كتل برلمانية، وعلى نحو يصعب معه تصور غياب توجيه مركزي لهذه المواقف.
عمان ترد إذا على التهديدات الموجهة لوجود الكيان الأردني بالتلويح بتهديد وجود الكيان الإسرائيلي..!
الملاحظ في مجمل الردود أيضا أنها تجاهلت فقرات أخرى هامة وردت في تصريحات روبرت كاغان، مستشار مكين، مثل قوله إن المرشح الجمهوري يريد حل القضية الفلسطينية في الأردن كي تأخذ السياسة الأميركية "منحى مباشرا للتعامل مع القضية بشكل يريح المنطقة ودولها للتفرغ بمعاونة الأميركيين لنشر الديمقراطية ومحاربة إرهاب الإسلام الفاشي".
تأكيدات على الوحدة الوطنية
إلى ذلك، تضمنت ردود الفعل المختلفة مواقف مناسبية من طراز التأكيد على الوحدة الوطنية داخل الأردن بين جميع الأردنيين على تعدد اصولهم منابتهم لمواجهة الخطر المشترك الذي يتهدد الكيان الأردني، والتأكيد على أن الأردن هو بلد المهاجرين والأنصار، بالتوازي مع التأكيد على أن الأردنيين سيدافعون عن وطنهم برجولة لتفشيل جميع المخططات التي تستهدفه.
وقد تجلى التعبير عن الرؤى المستقبلية خاصة في مقالات صحفية، في حين اتسمت البيانات البرلمانية بالإنفعال والعاطفية التي تليق بطرز النواب الأردنيين، والمنهج الذي يجيدونه في مخاطبة الرأي العام.
فهد خيطان، مدير تحرير صحيفة "العرب اليوم"، لفت في مقاله إلى أن "كل ما يصدر من اميركا يثير حساسية شديدة"، لكنه لفت كذلك إلى أنه ليس كل ما تفكر به اميركا قابل للتحقق. "والامثلة على ذلك كثيرة, فمنذ عقود طوال والمحافل الصهيونية والأميركية تروج لخيارات غير الدولة الفلسطينية المستقلة لكنها لم تفلح في تحويل احلامها إلى حقائق". وأضاف "ينبغي أن لا نقلل من خطورة المشاريع الإسرائيلية أو الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن. وجميعنا يعرف أن مكين يميني متطرف، وهو اسوأ من بوش، ومعاد للقضايا العربية، واذا فاز في الإنتخابات فإن العالم سيشهد اوقاتا عصيبة".
غير أن خيطان يرى كذلك أن "الاردن في المقابل ليس كعكة يستطيع اكلها من شاء. والاردنيون ليسوا احجار شطرنج تحركها اياد خارجية". "والشعب الفلسطيني الذي قاتل وما زال دفاعا عن حقوقه غير مستعد لاستبدال فلسطين بوطن آخر حتى لو كان قطعة في اوروبا". وتابع "ينبغي أن لا نتطير لمجرد سماع تصريحات كهذه، حتى وإن كانت تعبر عن موقف رسمي لمكين". وتساءل "هل نحتاج إلى التحوط في مواجهة افكار كهذه في المستقبل..?"، وأجاب "بالتأكيد, والأولوية في هذا المجال لجبهتنا الداخلية".."علينا أن نهتم بتحصين وحدتنا الداخلية ونبذ اصحاب الأجندات المرتبطة بالمحافظين الجدد، والإنفتاح على عالمنا العربي وكل القوى الممانعة للمشروع الاسرائيلي والأميركي. تلك هي وصفة المواجهة الناجعة للمشاريع المشبوهة".
هنا يلتقي الكاتب مع تسريبات الإستراتيجية الأردنية الجديدة مع نهاية العام الحالي، وعلى نحو يدعو للتساؤل عما إذا كانت هناك علاقة بين أحاديث الإستراتيجية الأردنية الجديدة، وتوقعات مستقبلية للسياسة الأميركية في حال فوز الجمهوريين مجددا بالبيت الأبيض الأميركي..؟
مكين ليس هامشيا..؟
ويلفت الكاتب جميل النمري في صحيفة "الغد" إلى أن "الرجل (كاغان) ليس هامشيا، واطلاق هذا الكلام من المستشار الرئيس للشؤون الخارجية للمرشح مكين هو أمر خطير للغاية"، لكنه يرى ضرورة "التوثق أولا أن هذا ما قاله الرجل فعلا، ثم اصدار ردّ فعل قوي للغاية من جانب الخارجية الاردنية يدين هذه التصريحات ويطلب من المرشح الجمهوري ادانتها وإبعاد الرجل عن موقعه كمستشار في حملته".
ويلفت الكاتب سامي الزبيدي في صحيفة "الرأي" شبه الرسمية إلى أن الفريق الذي يمثله كاغان "هو من بدأ مشروع القرن الأميركي الجديد..ذلك المشروع الذي دشن حملة من أجل الترويج لغزو العراق، ومن أجل حرب عالمية على الإرهاب مركزها اسرائيل، وهو الذي يحرض على مواصلة الحروب الإستباقية من أجل الغاء مبدأ وجود متنافسين في النظام الدولي، وهو الذي لا يقبل النظر إلى المنطقة إلا بعيون صهيونية، وبالتالي فإن خطورته تصبح ذات طابع وجودي بالنسبة للأردن".
ويخلص الزبيدي إلى "أن نجاح الجمهوريين سيكون وبالاً على المنطقة، ومن شأنه احياء مشاريع تصفوية سواء للقضية الفلسطينية أو للأردن".
رؤية الإسلاميين
الدكتور رحيل الغرايبة، النائب الأول للأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، يرى من جهته في تصريح صحفي تزامن مع الحملة الإعلامية الموجهة "أن هذه التفوهات تعتبر منعطفا بالغ الخطورة في الخطاب الأميركي الرسمي"، منوها الى انها "بمثابة تدشين لمرحلة جديدة عنوانها التحلل من الالتزام العلني بالقوانين الدولية فيما يتعلق بالأرض واللاجئين، في ظل تراجع طروحات قيام دول فلسطينية ذات سيادة على الارض الفلسطينية".
وخلص من ذلك إلى "أن المعاهدات المبرمة سابقاً مع العدو، وكذلك ما قد يعقد منها مستقبل "لن تعدوا كونها حلولاً مؤقتة".
وشدد على ان ما نقل عن كاغان يعتبر "جرس انذار لكل مكونات الشعبين الاردني والفلسطيني"، يستلزم "شحذ الهمم لوقف المفاوضات العبثية والإنخراط في موقف رسمي وشعبي يتصدى لأطماع الكيان الصهيوني في المنطقة من خلال تبني خيار المقاومة".
وقال ان الاردن "مطالب بإعادة تقييم سياساته الخارجية" بحيث تعمل على "اعادة التوازن لها، بعيداً عن سياسة المحاور الأميركية"، بما يمهد لاجتراح "موقف عربي موحد رافض لتصفية القضية الفلسطينية".
وأضاف "اذا لم تستطع الحكومة الاردنية التخلص من التبعية للسياسات الأميركية، فلا خيار أمام القوى الشعبية سوى الضغط على اصحاب القرار لإحداث تغيير ديموقراطي يمكن من تعديل السياسات الخارجية"، وتابع "الاصلاح السياسي بات اكثر الحاحاً".
ولوحظ تأخر صدور ردود فعل عن أحزاب سياسية أخرى، ربما انتظرت قراءة الموقف الحكومي أولا، الذي أوحي به للكتل البرلمانية قبل غيرها..!
كتلة التيار الوطني النيابية (تحت التأسيس (قالت في بيان لها إنها تلقت تصريحات كاغان "باستهجان واستنكار شديدين". ترى في الموقف الذي عبر عنه "حالة من الجهل المطبق بتاريخ المنطقة وظروفها، واستخفافا سخيفا ومرفوضا بحقائق الأوطان وهموم وتطلعات شعوبها ونوعا من الإستقواء الفاشل لغايات انتخابية هي اقصر قامة واوهى قوة من أن تصمد امام خيارات الشعوب وتضحياتها وتشبثها المشرف بوجودها وبحقوقها".
وأكدت "أن المملكة الاردنية الهاشمية بلد المهاجرين والأنصار هي الوطن العربي الهاشمي العصي على كل المؤامرات الجبانة والأوهام الخسيسة التي تصدر بين الحين والآخر عن عقول ملوثة وتطلعات فاشلة وتروج لأحلام مريضة لزرع الفتنة بين ابناء الامة الواحدة".
ودعت "كل من يحاول التجريب بهدف التخريب إلى فحص عقله جيدا قبل الولوج في ما لا يعنيه، وبالذات اولئك الأعوان والمستشارون الذين لا يترددون في التعبير عما يصفونه باستراتيجيات هذا المرشح أو ذاك".
واعتبرت كتلة الإخاء الوطني "هذه الأفكار الحقودة تمثل منتهى الغطرسة والحقد واللامبالاة الصهيونية تجاه الحقوق العربية الفلسطينية". وأكدت "أن الأردن عصي على مكين وامثاله، وأن فلسطين التاريخية هي وطن لكل الفلسطينين، وأن حق العودة مقدس لكل الفلسطينيين مثلما أن تراب الأردن الطهور هو عربي اردني مقدس".
وشجبت لجنة العلاقات العربية والدولية "التصريحات الرعناء التي اطلقت في حملة المرشح الجمهوري حول ما يسمى بالخيار الأردني"..مؤكدة أن وطن الفلسطينيين هو فلسطين التاريخيه".
وقالت لجنة الحريات العامة وحقوق المواطنين "لقد تابعت لجنة الحريات العامة وحقوق المواطنين باستهجان واستغراب شديدين ما صدر عن احد القائمين على حملة المرشح الجمهوري ماكين حول الدولة الفلسطينية وما يسمى بالخيار الاردني".
واضافت"اننا في اللجنة نشجب ونستنكر هذه التصريحات في الوقت الذي تجري به مباحثات بين الادارة الأميركية والسلطة الفلسطينية لاقامة دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني".

التعليقات