ليلى شرف على كرسي اعتراف اللويبدة

ليلى شرف على كرسي اعتراف اللويبدة
غزة-دنيا الوطن

اجرت المجلة الشهرية "اللويبدة" التي يرأسها الزميل باسم سكجها مقابلة شيقة مع العين ووزيرة الاعلام الاسبق ليلى شرف فيما يلي نصها :

“الحكومة الأردنية تجتمع بلا شرف”، كان هذا هو العنوان الرئيسي لصحيفة “القبس” الكويتية، في اليوم التالي لاستقالة وزيرة الإعلام السيدة ليلى شرف من الحكومة.

لعلّ ذلك العنوان، الذي استند إلى خبر مدير مكتب الصحيفة في عمّان الزميل الأستاذ عبد الله العتوم، واحد من أفضل العناوين التي يمكن أن تحتل صفحة أولى في صحيفة.

فليس عادياً، أبداً، أن تستقيل وزيرة من الحكومة، ولسبب يتعلق بالحريات، وهي وزيرة للاعلام، تلك الوزارة التي أسست لتققيد الحريات أصلاً.

وأم ناصر، السيدة ليلى شرف، زوجة المرحوم الشريف عبد الحميد شرف، ليست شخصية عادية، فهي من الشخصيات العامة القليلة التي فرضت بمواقفها إحترامها على الجميع، فليس هناك من لا يحمل تقديراً خاصاً لها.

“اللويبدة” تتشرّف بلقاء شرف، وتُسعد بكونها الوسيلة الإعلامية التي قالت من خلالها السيدة العظيمة كلّ شيئ، تقريباً.

س - واضح من خلفيتك العلمية والأكاديمية أنك من عائلة مهتمة بالعلم، هل يمكن أن نبدأ من نشأتك؟

ج - أبي من خريجي الجامعة الأميركية في بيروت كطبيب عام 1918 ، وطلب لأن يلتحق بالجيش العثماني في دمشق، فلبنان كان وقتها لا يزال تحت الحكم العثماني، وذهب إلى هناك، وعندما وصل، أعلن عن نهاية الحرب، فلم يشارك، وعاد إلى لبنان، وكان الإنجليز في السودان، بحاجة لأطباء يتكلمون العربية، فذهب والدي وعدد كبير من جيله من الأطباء اللبنانيين، وعشرات القضاة، إلى السودان وإستجابوا إلى ذلك النداء على أساس أنّه خدمة وطنية، فعمل بجنوب السودان، وكان يعتقد أن السودانيين أفضل العرب، وعاد إلى لبنان وتزوج والدتي بوقت متأخر من عمره. والدتي كانت من أوائل البنات في ذلك العصر اللواتي درسن في مدرسة الإنجليز للبنات، المدارس الأهلية الوطنية، وحين ارتبطت بأبي كانت قد تحصّلت على تعليم عال. زواجهما كان تقليدياً، فلم يعرفوا بعضهما قبل الزواج، ولكن أعتقد، حسب ما هو يروى لنا، أنه كان من أسعد الزواجات التي تمّت، بحيث كان الإنسجام بين الإثنين موجوداً، ثمّ ذهبت معه إلى السودان، لدي أخت ولدت بالسودان، وأخ ولد في بيروت، وبعدهما ولدنا أنا وأختي الثانية ببيروت. بعدها عاد أبي إلى لبنان، وعمل فيه، وكانت روح الخدمة الإجتماعية عنده عالية، فاعتمدها وسيلة لعمله الطبي مع الناس، ثمّ وكما تحمس للسودان جاء حماسه للأردن، فالجيش العربي الأردني كان يطلب أطباء للعمل به. كان الإنجليز ما زالوا موجودين،وأراد الملك عبدالله الأول أن يعرّب الجيش، والخدمات الطبية فحضر عدد كبير من الأطباء من لبنان. ووالدي كان منهم، وكان يوجد بعض الأطباء الفلسطينيين، وأصبح ضابطاً بالجيش، ثمّ عيّن أول رئيس لما سمّي بعدها بالخدمات الطبية الملكية، بالجيش العربي، وكان إسمه أيامها رئيس أطباء الجيش العربي. إسمه كان سليمان نجار، وعندما أسسوا الخدمات الطبية بدأوا بتأريخ المسيرة، وطلبوا مني صورته، وأحضرتها لهم، وكان في لباسه العسكري، وهي معلقة على الجدار هناك الآن. أنا لم أرها، ولكن جلالة الملك حسين الله يرحمه، أخبرني بذلك، وقال لي في يوم: رأيت صورة الوالد. كان ذلك عندما ذهب وإفتتح القاعة.

كنّا صغاراً عندما توفيت والدتي. ففي المستشفى الإيطالي إكتشفوا أنها مصابة بالسرطان، فأخذها والدي إلى بيروت، وأصبحت ربة البيت أختي الأكبر، وإضطر والدي أن يترك الجيش حتى يكون معنا، فعاد للعمل ببيروت، وبقيت لديه روح الخدمة، وكان هناك جمعية العناية بالطفل والأم، فتبرع لهم بيوم عمل من الأسبوع. وإلى ذلك كان أبي شاعراً وطبع ديوانين، وكان معروفاً بالمجتمع أنه شاعر وشارع جيد، عندما كان بعمان، كان إبن خاله سفير لبنان في الأردن، وطلب من والدي أن يكتب في عيد إستقلال لبنان قصيدة للملك عبدالله الأول، لأن الملك رعى حفل الإستقلال، وأخبرنا عبدالله نجار، الذي كان سفيراً، أن الملك الذي كان يحبّ الشعر ويتذوقه أعجب بشعره.

س - أنتم أصلكم من الطائفةالدرزية؟

ج - نعم والدي أصله درزي.

س- هل كنتم جزءاً من المجتمع الدرزي فقط، أم كان هناك إندماج، في لبنان أقصد؟

ج - نحن ولدنا وعشنا ببيروت، برأس بيروت، الذي هو خليط من جميع الأطياف. صحيح أنّ هناك أجزاء من لبنان يكون فيها طيف واحد، وفي أجزاء يكون فيها طيفان مثل الدروز والمسيحيين، مثلاً في جبل لبنان، ،وهناك السنة ببيروت وطرابلس بالساحل، في راس بيروت كان يوجد إختلاط بين الكل: سنة، شيعة، دروز، مسيحيون موارنة وغيرهم، وخلقنا وربينا بهذا الجو، بحيث أنّه لا يوجد لدينا تفرقة، أنا أستغرب لما واحد يسأل الثاني على دينه، لأننا عمرنا ما سألنا. في زمننا لم يكن يسأل في راس بيروت أحد عن دينه. “أنت صديقي وبس”... الآن، لبنان تغيّرت، وأصبحت طائفية كثيراً. هل تصدق أنّه بعد الحرب الأهلية خربت لبنان، كان يوجد توزيع طائفي للوظائف لكن لم يكن بالمجتمع، وأصبح الآن في المجتمع للأسف.

س - نحب أن نعلم كيف بدأت قصتك مع الإعلام، ما هي اللحظة التي إشتبكتي فيها بالجو الإعلامي؟

ج - كنت لا أزال في الجامعة الأميركية في بيروت، وأكمل دراستي العليا، وبدرجة الماجستير لا يوجد تقييد الطالب بالنسبة لانتظام الدوام، وحدث أن أسست محطة تلفزيون، كانت الثانية في لبنان، وتقدمت بطلب عليها للعمل، وعيّنت في قسم الأخبار، كمحررة ومذيعة ومقدمة مقابلات سياسية.كنت أعمل في فترة من الفترات في برامج العلم للجميع. وكان الإهتمام أنذاك في موضوع الفضاء كبيراً، فعملت سلسلة من البرامج حول الفضاء، وماذا تقوم به وكالات الفضاء الجديدة، وكيف أنهم كانوا يخططون لزيارة القمر، حيث دعى كيندي قبل وفاته للصعود للقمر في بداية عقد الستينيات.

س - هل تزامن البرنامج مع الصعود للقمر؟

ج - لا ولكن تزامن مع سبوتنك الروسية، وصعود رواد الفضاء الأميركيين للدوران حول الأرض وتصوير الكرة الأرضية، وتحضيراتهم للوصول إلى الصعود للقمر، ومن حسن الصدف أنهم عندما وصلوا بعد سنوات للقمر، كان زوجي المرحوم عبد الحميد سفيراً في واشنطن، وكنت أنا طبعا معه، ودعينا لحفل الإطلاق. كانت تجربة هائلة، لأنك مهما شاهدت على التلفاز الصور، فالمشهد الطبيعي مختلف حيث تسمع إرتجاج الصاروخ في الجو، وترى النار تملأ قاعدة الصاروخ وهو ينطلق. كانت تجربة هائلة، وأتذكر الآن أنّ حياتي الإعلامية تطابقت مرتين بحياتي الدبلوماسية بواشنطن، الأولى في موضوع الفضاء، والمرة الأخرى تتعلق بالرئيس نيكسون الذي أجريت معه مقابلة طويلة للتلفزيون اللبناني قبل ترشيحه وإنتخابه، ولما ذهبت إلى واشنطن، إنتخب ليكون رئيساً للجمهورية، وقابلناه بالصباح التالي وتعرّف عليّ. إنني أعتقد أن أي رئيس عندما يقابل أحداً يعطى تلخيصاً عنه، وأعتقد أنه تذكر أنه رآني في بيروت عبر التلخيص الذي اتاه. هذان المفصلان بمهنتي الإعلامية اللذان إلتقت فيهما بمهنتي الدبلوماسية.

س - بالنسبة للبرنامج الذي كنت تقدمينه على التلفزيون اللبناني، كيف كان حجم إنتشاره العربي، خصوصاً ،أنّه في محطة أرضية، فالفضائيات لم تكن موجودة، وكيف تحققت لك كلّ تلك الشهرة الواسعة؟

ج- لم أكن مشهورة بالشكل الذي نعرفه الآن، ولكنّ البث كان يصل إلى سوريا وكل أنحاء لبنان بالطبع، وبالاضافة لذلك، فمن يعمل بالتلفاز يظهر دائما في الصحف في لبنان، ويكون له حضور. لبنان يهتم بحضور الأفراد الذين يعملون بالحقل العام، قد يكون حضوري أتى عبر الصحافة أكثر، لكني لا أعتقد أن الإنتشار كان واسعاً مثل ما هو الآن بالفضائيات .

أنا دائما أخبر الناس، كيف أن الذي درّب الإعلاميين في تلك القناة اللبنانية هي شركة “ايه بي سي” الأميركية، وكان المدربون يقولون لنا: أنتم كمذيعي أخبار، لماذا لا تحرروها؟ على أساس أنّهم كانوا يعتقدون أن الذي يحرر الخبر يحصل على الثقة بإلقائه، أما إذا قرأت كلمات شخص آخر، فأنت تقرأ كالببغاء، فيجب إذن أن تحرر الخبر حتى تفهمه، وتعرف ترابط الأخبار بعضها ببعض.

من ضمن الأشياء التي عملتها أيضاً، تغطية حادث مقتل جون كيندي في السنة الأولى من العمل بالتلفزيون، وعملت برنامجاً خاصاً عنه. كان البرنامج كبيراً، ومؤثراً، لأن لبنان تفاعل كثيراً مع حادث إغتياله البشع.

س - كيف إنعكس موضوع الإعلام على البعد الإجتماعي من حياتك؟

في مرحلة لاحقة من العمل، أصبح هناك قيود في الحياة الإجتماعية، لأن الشركة التي كانت تدربنا طلبت أن لا نتعرض كثيراً للتماس مع الجمهور. لأن المذيع التلفزيوني يصبح نجماً في لبنان، تدعوه السفارات إلى حفلاتها، فأوصونا أن لا نزور السفارات كثيراً، قالوا لن: إبقوا بعيدين عن الناس، وقللوا من الذهاب لشارع الحمرا، الذي كان تجمّع كثير من الشباب والصبايا، حتى لا يراكم الناس كثيراً، لأن الثقة بالشخص البعيد أكبر من الشخص القريب. البُعد يصنع الغموض، وبنفس الوقت راحت الخصوصية من حياتي. يعني أنني وأينما ذهبت لم تعد لدي خصوصية بحياتي، الناس تظن أن النجومية جيدة للشخص، لكنها بالعكس تأخذ من حريتي الشخصية ؟

س - كيف تزوجتي؟

ج - تعرفت على عبد الحميد بالجامعة، كان يدرس بنفس الجامعة، وكنا معاً مع حركة القوميين العرب، والنادي الثقافي العربي، وتزوجنا بعد ما تخرج، فقد عاد إلى عمان وعمل بوزارة الخارجية، وأنا أكملت الماجستير، وعملت بالتلفزيون، ثمّ إستقلت منه وتزوجنا بباريس، لأن جلالة الملك الحسين الله يرحمه كان في زيارة رسمية للجزائر، وسوف يمر بباريس، ولا أدري لماذا قرروا أن نكتب الكتاب بباريس، فذهب أبي وعدد من عائلتي معي، وتزوجنا بباريس، وخلال وجودنا في أوروبا أصبح هناك تعديل على وزارة وصفي التل، وعين عبد الحميد وزيراً للإعلام، فأنا عندما وصلت إلى الأردن كنت زوجة وزير الإعلام، وبعدها بسنتين سافرنا لواشنطن بعد حرب 67 مباشرة، فقد تم تعيين عبد الحميد سفيراً هناك، وبقينا حوالي 5 سنوات بواشنطن، ثم إنتقل إلى نيويورك، بعد أن أصبح المندوب الدائم بالأمم المتحدة كذلك 5 سنوات. عندما إنتقلنا من هنا إلى واشنطن، كان عمر إبننا ناصر لا يتجاوز 9 أشهر، وفي أمريكا ولد فارس بواشنطن، عندما عدنا لعمان كان عمر ناصر 9 سنوات وفارس 6 أو 7 سنوات، وقد عدنا لأن الملك الحسين رحمه الله طلب من “حميد” أن يصبح رئيساً للديوان الملكي، فعدنا وبقي أربع سنوات رئيسا للديوان، ثم إنتقل إلى رئاسة الوزراء، وتوفي وهو رئيس للوزراء.

س - هل عملت بالاعلام عندما كان زوجك رئيس للديوان الملكي؟

ج - عندما كان موجوداً، لم أعمل في أمور رسمية، لأنه كرئيس للوزراء، أو رئيس للديوان، لم يكن ممكناً أن يكون لدي موقع رسمي، كان ممكن أن يشكل هذا حالة فساد، وحتى أنّ إحدى الصحف طلبت مني أن أكتب عموداً أسبوعياً، فسألته ما رأيك؟ قال لي: إنت حرة، لكن كل رأي ستكتبينه سيقولون أنّ هذا رأيي أنا. الناس في بلادنا لم يتعودوا بعد على رأي السيدة المستقلة، ولذلك لم أكتب. ولكن قبلها وفي أميركا كنت أعمل بالحياة العامة، لأنني كزوجة لسفير عليها أن تمثل بلدها، فكنت أشارك بجمعيات كثيرة. ترأست جمعية المرأة الإسلامية في واشنطن، وترأست جمعية الثقافة الإسلامية في نيويورك، وإنضممت إلى عدد من النوادي الدولية التي ننظم معارض أو محاضرات. وكنت رئيسة خريجي الجامعة الأميركية في بيروت في فرعها في أميركا الشمالية.كذلك كنت عضوة في النادي الدولي في الأمم المتحدة ودرست اللغة الإسبانية، إنا أحب اللغات، ونشأت في لبنان، حيث نتعلم هناك بثلاث لغات العربية والفرنسية والإنجليزية، وعندما ذهبت إلى نيويورك وجدت أنّ اللغة الإسبانية منتشرة إنتشار كبيراً أولاً، لأن هناك جالية إسبانية كبيرة، ثانياً لأن هناك أكثر من عشرين دولة تتحدث بالإسبانية، فقررت أن أضيف لغة جديدة.

س - لنتحدث قليلا عن المرحوم سيادة الشريف، هناك قراءات كثيرة حول تقييم تجربته الحكومية، ما رأيك حول هذه القراءات، هل أنصفت تجربته؟

ج - أنا لا أعتقد أنّه أنصف، هي وُصفت، ولكنّها لم تُحلل بشكل كامل، وبالتالي فلم تُنصف بما فيه الكفاية، لأن عبد الحميد حمل معه أراء فكرية للحكم، وليس فقط أراء تنفيذية. كانت لديه أفاق بعيدة، أراء في الإصلاح السياسي، أراء في الإصلاح الإجتماعي في وقت مبكر، طرح برنامجاً إصلاحياً، وتعرّض في وقتها لكثير من الهجمات، وقالوا إنّ هذا كثير، وسيغير كثيراً، وأنّ الناس لا تحب التغيير بهذه السرعة. وطرح تغييرات في النظام التعييني، وطرح ترشيد الإستهلاك، ولكن المجتمع آنذاك إستنكر لأنه كان هناك رخاء بالثمانينيات، قالوا مثلاً: لماذا يوفّر الغني؟ وهل لدى الفقير شيئ ليوفر؟ كان فكره هو أنه يجب أن يحصل توفير، لأن التوفير في البنوك هو عجلة التنمية، وهو الذي يمنع الإقتراض، ولم نكن وصلنا بعد للخط الأحمر في الإقتراض وقتها، كانوا يفكر لأبعد من اللحظة الآنية، ويعتني بالمستقبل. و عمل مؤتمراً حول موضوع التعليم، لأن موضوع التعليم أقلقه، وخصوصاً تدني النوعية التي يحصل عليها المواطن.

س - هل كان التعليم أكبر هاجس له أم موضوع محاربة الفساد؟

ج - الموضوعان معاً، وغيرهما أيضاً. هو لم يكن إقتصادياً، لكن كان لديه فكر تنموي شامل، دخل في التعليم، وفي الأحزاب السياسية، وطرح فكرة الميثاق الوطني، هو الذي طرحها من زمان، قبل الميثاق الوطني الذي تحقق في بداية التسعينيات، هو ومجموعة من الوزراء الذين كانوا معه مثل علي إسحيمات، وسليمان عرار الله يرحمه، وطرحوا فكرة الميثاق الوطني، لوضع إطار للعمل السياسي، وفكرة تأسيس أحزاب، والديمقراطية، كل هذا كان جزءاً من البرنامج، وأيضاً الإقتصاد، وترشيد الإستهلاك، وعدم الوقوع بالديون ، كان لديه برنامج إصلاحي متكامل، ولم يُعط حقه من الدراسة؟

س - هل تنوين أن تكتبي عن سيرته؟

ج - نعم، إن شاء الله.

س - بإعتقادك هل كانت مكونات المجتمع في ذلك الوقت قادرة على هضم الأفكار التي طرحها، أم كان يجب أن يحصل تدرج في الأفكار، يعني هل هنالك خطأ منه في هذه الجرأة؟

ج - لا، لم يخطئ، أراد أن يعمل صدمة للمجتمع، نحن بحاجة للتغيير، نحن بحاجة إلى التجديد، نحن بحاجة إلى التقدم، هذه عناصر التقدم، ألقى محاضرة في نادي خريجي الجامعة الأردنية ويحكي فيها عن متطلبات التقدم الإجتماعي والتقدم السياسي، ووقتها كان رئيساً للديوان، لم يكن رئيساً للوزراء وقتها، وقام بعض المثقفين الأردنيين بالرد عليه، لأنه قال إن التقدم السياسي والإجتماعي يحتاج لقاعدة تعليمية (أجيال متعلمة) فقالوا: “شو بدنا نستنى لوقتها”، وحتى لمّا دعا لترشيد الإستهلاك، كان همّه ليس إقتصادياً فحسب، كان همّه قومياً وطنياً، لأنه قال لي مرّة: الآن، إذا غاب السكر يومين عن السوق الناس ستقول ماذا حصل؟ كيف يريد هذا المجتمع أن يدخل حرباً، إذا لم يتعلم أن يشد الأحزمة، كيف يدخل المجتمع في حرب مع عدو شرس مثل إسرائيل، ويمكن أن ينقطع من الشاي والسكر بالحرب، فيجب أن يتعلم المجتمع على الترشيد، ليكون قادراً على الصبر عند الأزمات، وكجزء من معركة التحرير، والمعارك السياسية القادمة، وكان يعتقد أن الجيوش وحدها لا تكفي، المجتمع هو الذي يسند الجيوش.

س - بالنسبة للكتاب الذي تنوين إصداره عن المرحوم، هل يتضمن معلومات لم يعرفها الأخرين حول شخصيته وأموره؟

ج - ربما، لا أدري ماذا يعلم الناس من جوانب شخصيته، أنت تعرف أنه عندما تكون شخصية عامة فهي قليل تلك الأمور التي لا يعرفها الناس، لكن أنا أريد أن أضع فكره في الإطار الذي يجب أن يكون فيه، (فكره المتكامل)، كان لديه فكر شمولي، وكما قلت لك، إقتصادي تنموي شامل، ولا أحد يذكر أنه تعرض لهجمات هائلة عندما طرح فكرة الترشيد، كان هو الذي أدخل أول إمرأة في الوزارة، وفتح الباب، وكانت هي إنعام المفتي وشكل وزارة التنمية الإجتماعية، لأنه كان يعتقد أننا ننمي تنمية إقتصادية، ولكننا لا ننمي تنمية إجتماعية، والتنمية الإقتصادية دون تنمية إجتماعية سيخلق جيوب فقر. وهو الذي أسس وزارة التنمية الإجتماعية، وأصبح يوجد دائرة المرأة في وزارة العمل، ودائرة تنمية في وزارة الإقتصاد.

س - وبعد وفاة المرحوم عدت للحياة السياسية؟

س - أنا عملت بالسياسة وأنا بالجامعة، في حركة القوميين العرب، ليس عملاً سياسياً تنفيذياً، وإنما عمل سياسي وطني قومي، فأنا دخلت في الحقل السياسي والنشاط السياسي من أيام الجامعة، بالإضافة إلى ذلك فأنا عملت في مؤسسات المجتمع المدني بقوة، سواء بلبنان أو بأميركا أو بالأردن، فأنا متعودة على العمل العام، لكن لم يكن من الممكن أن أدخل بعمل رسمي خلال وجوده.

بعد وفاة عبد الحميد، رحمه الله، ولحسن الحظ أن جلالة الملك كان يعرفني، وكنا ندخل جلالته وأنا في نقاشات عديدة، فكان يعرف فكري، ويعرف توجهاتي، ويعرف قدرتي على العمل، فعندما شكّل أول مجلس وطني إستشاري، بعد وفاة حميد وكان سنة 1982 إتّفق جلالة الملك ودولة مضر بدران الذي كان رئيس الحكومة، على أنني يجب أن أكون عضوة في هذا المجلس، فدخلت المجلس الوطني الإستشاري، وبعدها عندما تقرر عودة العمل بالدستور سنة 1984 وإجراء الإنتخابات الفرعية للبرلمان وعودة البرلمان، وتشكلت حكومة أحمد عبيدات، وحصل أنّ الملك نفسه طلب مني أن أكون بالديوان، برتبة وزيرة، كمستشارة، وأنا قلت له: طبعا هذا يشرفني، وبعدها بيومين طلبني مرة أخرى، وقال لي إن الديوان الملكي مفتوح لك متى تشائين، ولكن أنا أعرض عليك وزارة الإعلام، وأخذت وزارة الإعلام.

س - ماذا عن تجربتك بوزارة الإعلام، والإستقالة الشهيرة؟

ج - عندما دخلت وزارة الإعلام، دخلت على أساس حرية الرأي والتعبير، وعلى أساس التواصل المستمر بين صناع القرار والصحافة والإعلام، ووجدت عقبات كبيرة، فبعض الجهات كانت تغلّف فكرة حرية الصحافة لتقويضها، فأصبحوا ينشرون الإشاعات المغرضة في الجرائد، على أساس أنّها حرية الصحافة، ويأتون ويقولون: أنك قلت حرية الصحافة. لكنني في حقيقة الأمر لم أقل: إشاعات مغرضة، كانت هناك عبثية من بعض الصحافيين، كانوا ينشرون في الصفحة الأولى، مثلاً، أنه سيحصل تغيير كبير في وزارة معينة، بجهاز وزارة معينة، تقلق كل الوزارة. أنا إعتبرت أن هذا دس منهم، إما من قصد أو من دون قصد، كان وقتها رئيس الوزراء أحمد عبيدات، كان مؤيداً للحرية، المهم أنني وصلت إلى عنق الزجاجة مع موضوع الحريات، وأنا لم آت لأخذ منصب، أنا حضرت للوزارة من أجل فكر معين، وأريد أن أطبقه، فعندما وصل فكري إلى عنق الزجاجة، إضطررت أن أقدم إستقالتي.

س - هل أخذت إستشارة بالإستقالة، أم أنها جاءت مفاجئة؟

ج - لا، كانت مفاجئة، لأنه حصل هناك إغراءات معينة، وأحسست أنه سيحصل تقييد يخالف إرادتي.

س - نعرف أنّه جاءتك مكالمات وقتها، ولم تردي على الإتصالات، لماذا لم تجيبي على الإتصالات؟

ج - لأني خفت من الضغط، فأخبرت رئيس الديوان وكان حينها مروان القاسم، وقلت له أنني “طالعه ومستقيلة”، فعرفوا أنني مستقيلة، وأصبحوا يتصلون على البيت.

س - وصلتك حينها رسالة من الملك؟

ج - ليس من الملك، وإنما من أبو شاكر ( الأمير زيد بن شاكر) بعث لي رسالة، ولكن قبل أن أقرأها، قدّمت الرسالة للحرس وكانت تتضمن نسخة من إستقالتي، لم أرد أن أقتنع في ما جاء في رسالته، أحسست بأنّني وصلت إلى عنق الزجاجة.

س - إنت كليلى شرف، هل حاولت التغيير، وهل تفاعلتي مع الأجواء التي كانت موجودة، أم أنّ قرارك جاء من أول إنفعال؟

ج - لا، ليس إنفعالاً. قضيت في الوزارة سنة وشهراً، يعني 13 شهراً وأنا في محاولات لطرح برامج جديدة، مثلاً إستحدثنا بالتلفزيون برنامج “قضايانا”، الذي إفتتحه الملك الحسين الله يرحمه، بأول سؤال وجواب من الصحافيين، بعدها جاء عدد من الصحافيين ليسألوا عدداً من الوزراء عن برامجهم، الغريب أنني رأيت أن هناك إحجاماً كبيراً من رؤساء التحرير.

س - بين 84 واليوم وأنت تراقبين المشهد الإعلامي، كم إختلفت الأمور برأيك؟

ج - إختلفت الأمور كثيراً، أولاً عدد الصحف أصبح كثيراً، أصبح هناك مجالات أوسع للكلام وللنقد، وأنا لا أستطيع أن أقول إن حرية الإعلام تامة في الأردن، ولكن الأمور إختلفت ما بين 84 والآن، قطعت مسافة كبيرة بالتدريج، لعله من 89 أكثر، ما بين 84 و89 ضاقت كثيراً المساحة لحرية الصحافة. صار هناك تضييق على الصحفيين، وأنا كنت أقول لنفسي: دفعوا همّ الثمن، لكن بعد 89 عادت الديمقراطية وبدأ التحسّن. مسؤولية حرية الصحافة لا تتعلق فقط بالدولة، وإنما تتعلق بممارسة الصحفي لمهنته، فإذا كان الخبر فقط لبيع الجريدة، أو التحليل السخيف الذي لا يؤدي لنتيجة، فهو يسيء لحرية الصحافة، فهو ينزل من مستوى المواطن، الصحفي الذي يحرص على مستوى صحيفته، وعلى مستوى مقاله، وعلى مستوى خبره، هو الذي يساهم في إنعاش حرية الصحافة. أنا أعتقد أنّه ليس فقط الدولة هي المسؤولة، لأن الدولة قراراتها ردة فعل على مستوى الصحفي ونوعية ممارسته ومساهمته في الصحافة.

س - بإعتقادك، هل يوجد ترابط بين موضوع حرية الصحافة وموضوع التطور الثقافي في المجتمع؟

ج - أنا لا أعتقد ذلك، لأنني أعتقد أن الأردن كان لديه مستويات ثقافية مرتفعة في السنوات السابقة، أكثر من اليوم، بالرغم من إنتشار التعليم، هذه الأيام، إلا أن المستوى الثقافي الأردني بالسابق كان أرفع وأرقى، إنتشار الثقافة أوسع الآن، لديك عدد أكبر من الكتاب، ومن الشعراء، لكن المستوى كان أفضل أيام زمان .

س - هل كنت إنت وعلي غندور وراء مجيء فيروز لعمان عندما غنت أردن أرض العزم؟

ج - لا، ذلك كان عبد الحميد، أنا لم أكن بالأردن، كان آنذاك مديراً للإذاعة، وهو الذي أحضرها، وإقترح عليها فكرة أردن أرض العزم، هي قالت لي أنه هو الذي إقترح الفكرة على الرحباني، وهو كان يحبها كثيراً، لأنه ساهم فيها، وأحضرها للمدرج الروماني، لم نكن قد تزوجنا بعد،

س -وبالنسبة لمسرحية بترا لفيروز؟

ج- أحضرتها أم شاكر، زوجة الشريف زيد، رحمه الله، لجمعية أسرة الجندي، لتمويل أسرة الجندي.

س - هل كان لعلي غندور دور في إحضار فيروز وقتها؟

ج - علي غندور كان له دور في مهرجان جرش، كان عضواً في الللجنة العليا للمهرجان، وساعدنا كثيراً في إنطلاقته، الذين لهم دور كبير في إنطلاقة مهرجان جرش هم: الملكة نور، وعدنان بدران وأنا. وأيضاً مازن العرموطي الذي كان أوّل مدير، بعده جاء ميشيل حمارنة، وهو الذي قام بتوسعته، وبعده أكرم مصاروة، ومن ثم جاء بعده جريس.

س -ما هو سبب خفوت وهج المهرجان وتأثيره؟

ج- في آخر مهرجان نحن إرتكبنا عدداً من الأخطاء، الخطأ الأول: أنه جاءتنا شركة تسويق، ونحن كنا دائما نقول أننا نريد أن نسوّق للخارج، فإعتقدنا أنهم سيسوقون لنا بالخارج، ولكن الموظفين الذين بعثتهم الشركة لنا كانوا فاشلين تماماً، وأفشلوا شركتهم، وأفشلوا المهرجان، قالوا إنهم يريدون أن يسوقوا للخليج ولمصر، ولكنّهم حتى بعمان لم يسوقوا، ولأنهم هم الذين كانوا يبيعون التذاكر، طلبوا أن نزيد عدد النجوم، ونحن عادة لا نكثر من عدد النجوم، لأن المجتمع الأردني لا يستوعب أكثر من ثلاثة بالمهرجان، فكيف بـ 13 نجماً، كيف يستطيع شاب أردني أن يصرف نقوداً لحضور 13 حفلة؟ أساءوا التقدير. بالإضافة إلى الطريق الموصلة الى الموقع التي كانت صعبة، ضمن التصليحات وإعادة الإنشاء، بالإضافة إلى تجمعات الإنتخابات البلدية، وكانت إمتحانات التوجيهية لم تنته بعد، وهي ظروف خارجة عن إرادتنا.

الآن يوجد مراجعة للمشروع، أنا أريد أن أترك المهرجان، نويت أن أترك في المهرجان الخامس والعشرين، الذي لم يعقد بسبب أحداث لبنان في السنة الماضية قبل الماضية، والملكة نور لا تتواجد كفاية، والآن فنحن نريد إعادة تشكيل اللجنة من جديد، فيستلمها جيل أصغر، ونوع جديد حتى يجددون فيها.

س - لاحظت أنه لديك الكثير من العضويات في الجمعيات، جمعية الشؤون الدولية، المناهل، ماهو أكثر نشاط ترين أنك تعبرين عن ليلى شرف فيه؟

ج - أنا أحب المجال الفكري كثيراً، وأحبّ المجال البيئي، وكنت رئيسة للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، حتى نهاية السنة الماضية، ولأن لدي عملاً كثيراً، لم أترشح، وأصبح رئيسها عبد الإله الخطيب وزير الخارجية السابق، وانا ما زلت عضوة بمجلس الإدارة، لأنه يهمني المجال البيئي، وعضوية منتدى الفكر العربي الذي يعتني بالفكر السياسي والإجتماعي والتنموي والإقتصادي، وأنا عضوة بمركز دراسات الوحدة العربية بلبنان، الذي هو مثل منتدى الفكر العربي، الذي يقيم ندوات متخصصة، وتصدر عنه مجلة “المستقبل العربي” وينشر كتباً للمفكرين، وأنا عضوة بمجلس إدارته. وأعتني بالتعليم، لأن التعليم هو النهضة، إذا كان التعليم سيئاً، تتراجع النهضة. لا يكفي محو الأمية، للأسف فتعليمنا يخرج أجيالاً غير صالحة للنهوض بحركة الإصلاح الفائمة الآن.

س - لماذا بإعتقادك، ما هو الخلل؟

ج - التعليم لا يقف عند حد، التعليم يجب أن يتطوّر كل يوم، في أساليبه، وفي مادته، نحن عندنا التعليم توقف، ولا يُعلّم الطالب البحث عن المعرفة، يعطيه المعرفة المحدودة، ولا يعلمه التفكير النقدي، ولا يعلمه التفكير التحليلي، ولا القدرة على البحث على المعرفة، هذا الذي يجب أن يعلمه، التعليم لم يعد يصقل الفرد، لأنه لا يعلمه الأدب، ولا يعلمه الشعر، الإنسان ليس رياضيات وعلوم فحسب، إذا أردت أن تغير الشخصية، وتصقلها، يجب أن تعلّمها التذوق الأدبي، التذوق الفني، التذوق الموسيقي، تعلمها رياضة، تحسن الإنسان فيه، ليس فقط أن يعرف أن يقرأ ويكتب، هذا لا يكفي.

س - نلاحظ كذلك أنه يوجد غياب ثقة في موضوع فكرة ولاية الدولة، يعني مثلاً مشروع الفيتامين فشل، ومشروع التغذية المدرسية فشل، هناك نأاس كثيرون يقولون إنه ليس سبب الفشل تقصير الدولة، بقدر غياب الثقة هل تتوقفين عند هيك تعليقات؟

ج - لا، أنا لا أعتقد أن الدولة مقصّرة في هذه الخدمات، يعني الفيتامين والتغذية المدرسية ليست موجودة في كل مدارس العالم. لا يوجد حكومات كثير تعطي مثل هذه الخدمات، هذه مبادرة مهمة جداً من الدولة، ولا يوجد كثير من الدول تقوم بتغذية، أنا آتية من بلد لا تعطي تغذية، ليس هناك مثل هذا الشيئ في لبنان مثلاً، البلاد ذات الإقتصاد الريعي هي التي تعطي التغذية، ونحن نخرج من الإقتصاد الريعي، ومع ذلك نعمل هذا الشي، لكن تحصل أخطاء، أنا الذي يهمني كيفية التعليم ومادة التعليم.

س - يعني إنت لست ضد ولاية الدولة على التعليم؟

ج - لا، أنا لست ضدّها، كل الدول يجب أن تقدم التعليم، التعليم الخاص هو شيء موازي، إذا كان الشخص قادراً على التعليم الخاص وأن يضع أولاده فهو حر هو، وإنما إذا لم يستطع فالدولة يجب أن توفر التعليم، لكن يجب أن توفر التعليم الجيد، لأن العدد الأكبر من المواطنين هم الذين يذهبون للتعليم الدولة، ولا يكلف أكثر أن تحسن نوعية التعليم.

س - كيف ترين السياسة في عهد الملك عبد الله الثاني، وهل إختلفت عن الماضي؟

ج - لم تتغيّر كثيراً، ونحن نعرف أنّ عملية الإصلاح والتنمية لا تتوقف، يجب أن تكون مستمرة، وكل حركة إصلاح، وكل حركة تغيير لها ظروفها الخاصة، ولها إنطلاقاتها الخاصة التي تستند إلى مما أتمته حركات الإصلاح والتنمية التي سبقتها، فلا يمكن تشبيه مرحلة إصلاحية بمرحلة أخرى، لأن ظروفها تختلف، وإستعداد الناس والمجتمع لها يختلف، والظروف الدولية تختلف، في المرحلة السابقة لم يكن هناك تأثير كبير للعولمة. الآن العولمة مهمة جداً، كعنصر من عناصر يأخذها الفكر التنموي الإصلاحي في الأردن، أنا أعتقد أن التعليم مقصر في مواجهة العولمة، إذا لم يتجذّر الإنسان في تراثه الأدبي والعلمي والفكري سيذهب إلى تراث آخر، لأنه أصبح في متناول يده، عليك إنت أن تُجذّر المواطن وتقويه وتجعله فخوراً بتراثه، وبعدها لن تهمّك العولمة، أنت لا تستطيع مقاومة العولمة، نحن يجب أن لا نقاوم العولمة، نحن لا نقاوم العولمة نحن نواجهها، بالقوة التي لدينا، لكن أن لا ننهار أمامها، والتعليم هو السلاح الأول، وتعليمنا، كما قلت سابقاً، لا يجذّر الإنسان ولا يعلّم الأدب العربي التراثي بشكل مكثف، ولا يعلّم اللغة بشكل جيد، ولا يعلّم الإرث الحضاري الذي خلّفته الحضارة العربية الإسلامية، لا يعرف الطالب كم ساهمنا بالحضارة العالمية، لا يعرف من هو أبن رشد، من هو إبن سينا، الغزالي، من هو إبن النفيس، من هو إبن الهيثم، من هو الخوازمي. لا يعلمون، إذهب إلى أي صف وإسأل أيّ طالب: من هو المتنبي؟ لن يعرف، إسأله من هو: أبو تمام؟ لن يعرف ، كيف سيكون متجذراً بحضارته، إذا كان لا يعرف هذه الحضارة، وسيكون فريسة للعولمة، وأهون فريسة، أنت تقاوم العولمة بمواجهتها، بتجذير نفسك، بحضارتك، ومساهمتك بالحضارة العالمية، ليس بأن تهرب منها، لأنك لا تستطيع أن تقاوم التلفزيون، الذي يدخل لكل بيت، لا تستطيع أن تقاوم الإنترنت الذي يدخل لكل بيت ولكل صف، لا تستطيع أن تقاوم الرحلات إلى الخارج،

س - الإهتمام بالمرأة، ومشاركتها بالحياة العامة من المسائل الأساسية التي تشغل بالك، لكن نحن نرى أن هناك ممانعة داخل المجتمع لبعض التغيرات الأساسية في حركة المرأة وفي تحررها، هل بإعتقادك أنّ هذه الممانعة من الممكن أن تذوب مع الوقت، أم أن طبيعة ثقافة الشعب الأردني غير قادرة على هضم مثل هذه التغيرات؟

ج - لا، لا أعتقد أن هذه هي طبيعة المجتمع الأردني، أنا أعتقد أن طبيعة المجتمع الأردني تتقبل المرأة، لا أنا، ولا أية واحدة من اللواتي وصلن للوزارة، واجهنا مقاومة تذكر، أو تؤخّر عن العمل في العمل العام كوزيرات، لكني أعتقد أن الحق يؤخذ ولا يعطى، وأنا لا أقول يؤخذ بالقوة، يعني لن ندعوا النساء للمظاهرة لأخذ الحق، لكن يؤخذ بقوة العطاء، تخرج المرأة للعمل وتبرز فيقبلها المجتمع، يوجد لدينا أعداد كافية بما يسمى بالكتلة الحرجة من الناس، أعداد كافية من النساء في الحقل العام من الطبيبات والمحاميات والإقتصاديات وصاحبات الأعمال ومن الوزيرات والنائبات ومن الأعيان، وقتها يصبح وجود المرأة على المسرح العام طبيعياً، ويقبله المجتمع عندما يكون طبيعياً، وليس أمرا مفتعلا. لكن على المرأة مسؤولية أيضاً، عليها أن تتعب على تطوير نفسها، وتقديم المساهمة البارزة والواضحة في المجتمع، والآن أصبح لدينا أربع وزيرات، وهو عدد كبير، عدد لا بأس به، نريد أن نكون نصف المجتمع في المستقبل، لكنها بداية جيدة، سبع نساء في مجلس النواب عدد لا بأس به، سبع نساء في مجلس الأعيان لا بأس، نريد أن نزيد العدد، لأننا نصف المجتمع، لكن المسؤولية مسؤوليتنا أيضاً، ليست فقط مسؤولية المجتمع.

س - هل تتوقعين أن المرأة قد تصل في يوم من الأيام إلى رئاسة الوزراء؟

ج- نعم، قد لا يكون في السنوات القليلة القادمة، أنا أعتقد أنه ممكن أن تصل إمرأة إلى رئاسة الوزراء.

س- بيتكم جميل، متى بنيتمونه، وكيف؟

ج - من ضمن الأشياء التي حصلت عندما دعا عبد الحميد لترشيد الإستهلاك، قالوا إن بيتنا كلف ثلاثة ملايين، مع أنّه عندما توفي عبد الحميد كان البيت لا يزال على الأعمدة والباطون، لكن الإشاعات كما تعرف تكثر أحياناً. نحن إخترنا موقع البيت لأننا أردنا أن نشتري دونماً في جبل عمان، وكان الدونم وصل وقتها لألفين دينار حسب ما أذكر، ونحن كنا موفرين ألف دينار فقط، فلم نتمكن من شراء الدونم، وسافرنا إلى أميركا، بدون أن نشتري الدونم، وبقينا هناك، الرواتب وقتها لم تكن كثيرة، كنا نعيش على راتبه، وأول راتب بعد زواجنا مثلاً كان مئة دينار، أعطاني وقتها الشيك، وكان مئة دينار، لكن الذي أريد أن أقوله إنه كل ما كنا نأتي في إجازة ونجرب الشراء، وتعجبنا أرض نجدها غالية علينا، لأننا لم نكن قادرين أن نوفر المبلغ الكافي، إلى أن جاء يوم إنتقالنا من واشنطن إلى نيويورك، ونصحنا الأصدقاء أن لا نأخذ سيارة مرسيدس على نيويورك، كان السفير هو الذي يشتري سيارته، إشتريناها بالتقسيط، لأن الدولة كانت فقيرة جداً، فبعنا سيارة المرسيدس وجئنا بإجازة، وبدل أن ننفقها “يمين وشمال”، قررنا أن نشتري أرضاً، ولم يكن من الممكن أن نشتري بعمّان، لأن الأراضي بعمان غالية كثيراً، فقمنا بشرائها بالأرياف ، خارج عمان، كان هناك طريق قروي، كان الطريق العام الذي يذهب لأبو نصير 6 متر، فصاروا يقولوا لنا: ستسكنوا مع “الواويات”، لكن تعودنا بأميركا على المسافات البعيدةو لم يكن لدينا مشكلة في ذلك، فقمنا بشراء الأرض لأنها رخيصة، ولم نبن لأننا وقتها كنا ما زلنا في نيويورك، عندما رجعنا إلى عمان ، بدأنا نفكر بالبناء، وبدأنا بالبناء قبل ما يتوفى حميد بستة أشهر، وحميد لم ير البيت، توفي قبل أن ينتهي البناء، إخترت مهندساً لبنانياً لأنني أعرف أنه مشارك في جمعية للحفاظ على البيوت القديمة بلبنان، وأردت طابعاً عربياً قديماً، ومن هنا كان مدروساً.

س - معاليك بالنسبة للمرحوم مات “مديوناً”؟

ج - نعم، لأننا كنا نبني، بعد أن أخذنا قروضاً من البنك، وأنا “شوي شوي، تدبرت أموري” .

س - بالنسبة لولديك، ناصر وفارس، تحدثي لنا عنهما؟

س - ناصر، أرانا موهبة موسيقية منذ طفولته المبكرة، كان عمره 3 أو4 سنوات، في أميركا، كان يواصل الاستماع للموسيقى، وكنا نشتري له الآلات الموسيقية، وعلّمناه العزف على البيانو، وعلمنا فارس كذلك، وعندما عدنا من أميركا، لم يكونوا بعرفون اللغة العربية بشكل جيد، ناصر كان يحكي بالعربي لسبب أنّها لغتنا في البيت، لكنه عندما كبر أكثر، أصبح التلفزيون والمدرسة والأصحاب والجيران كلهم يتحدثون بالإنجليزية، فلم يعد يتحدث بالعربية. صرت لمّا أحكي معه أقول له: لن أرد عليك، إلا إذا “حكيت عربي”، وصرت أحضر له كتبا عربية وأعلمه كيف يقرأ، وفارس أيضاً واجه نفس المشكلة، إلى أن أتينا إلى هنا، فوضعناهما في المدرسة الأميركية، وأحضرنا لهما الأستاذ سليم عرفات الذي كان مشهوراً، وعلى ما أظن أنه كان متقاعداً من وزارة التربية، أحضرناه ليعلمهما الدين والتاريخ واللغة، كان يأتي كل يوم في المساء فيراجع لهما العربي والدين والتاريخ، ورجعت اللغة العربية لهما، ناصر أحب أن يدرس الموسيقى، وأنا في بداية الأمر، حاولت أن أمنعه: “هذه الشغلة ما بتجيب معيشة”، قال لي: أنا مستعد أن أجوع، ولكن أريد أن أدرس الموسيقى، فدرسها، والآن هو يعيش خارج الأردن، جرب هنا كثيراً، حاول، إفتتح إستديو هنا، وجرب حوالي سبع سنوات، ولم يمشي الحال، لم يكن هناك نهضة موسيقية بالأردن، فسافر إلى فان كوفر، هو يعزف بيانو وغيتار، درس التأليف الموسيقي، ولكنه يعزف.

س - المفروض أن يعمل إمتداداً للمسيرة السياسية لوالده ووالدته؟

ج -- لا يحب السياسة أبداً، حتى كان عندما ندعى على العشاء، وأقول له تعال معنا، كان يرد: تتحدثون بالسياسة، وأنا لا أريد. فارس هو الذي من الممكن أن يكمل المسيرة، فقد درس الإقتصاد والمال، وهو نائب محافظ البنك المركزي، وعلى إحتكاك بالعمل العام ومتزوج.

س - وأنا أنظر لمكتبك أراك مهتمة بموضوع الفن؟

ج - جزء من ثقافتي، أنا لا أؤمن بالحصر الثقافي، أنا وعبد الحميد كنا لا نترك فيلماً سينمائياً جيداً إلا ونحضره بأميركا، وكذلك المعارض الفنية. حميد كان يرسم، رسم الملك عبدالله الأول وكان عمره 10 سنوات،

س - أنت كمطالعة وتحبين القراءة، ما هو أكثر الكتب الذي تأثرت به؟

ج- كثير من الكتب. من ضمن الأشياء التي أحببتها كثيراً وأثرت بي، مذكرات فدوى طوقان، لأنها عانت من الإنتقال من المجتمع الضيق إلى مجتمع منفتح،

- تقريبا هذه هي المواضيع الأساسية التي نحب أن نحكي فيها هل ترين في شيء لم نتطرق له؟

لا

التعليقات