لماذا تهتم الصحافة الإسرائيليّة بأخبار الفنانين اللبنانيين؟

لماذا تهتم الصحافة الإسرائيليّة بأخبار الفنانين اللبنانيين؟
غزة-دنيا الوطن

من يسرّب أخبار إليسا إلى الصحافة الإسرائيليّة؟ سؤال طرحه الزميل طوني خليفة في مجلة "قمر" التي يرأس تحريرها في مقال حمل عنوان "موقع إسرائيلي يهاجم قمر ويدافع عن إليسا"، بعد أن اكتشف بالصدفة وجود مقال يتضمّن على حسب قوله معلومات لا يعرفها سوى شخصين، إليسا ومدير أعمالها.

ولم يكتف طوني بالتساؤل، بل أبدى استغرابه من ورود بعض التعليقات باللغة العبريّة على الخبر، ما يعني ضمناً أن ثمّة جمهور إسرائيلي يتابع إليسا ويهتم لأخبارها، جمهور يقرأ اللغة العربية ويفهمها!

فقد بدأت القضية على خلفية نشر خبر عن عطر إليسا الجديد، لم يعد الخبر مهماً خصوصاً أن ما تبعه من أخذ ورد ربّما أضاع على إليسا فرحتها بالعطر، وعلى طوني فرحته بال"سكوب"، حين خمّن اسم المنتج الذي ستطلقه الفنّانة، التي بدورها تحفّظت كعادتها عن الرد.

كيف وصلت "قمر" إلى اسرائيل؟ يستغرب طوني، فالمجلة لا تدخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، ولا مراسلين للصحف العبرية في لبنان، فلا بد أن الفنّانة بطرقها الخاصّة سرّبت الخبر!

غير أنّ القضيّة لا تلبث أن تتهاوى حين تدافع الصحيفة عن نفسها من التهمة، مؤكدة أنها عربيّة، وأنّ أصحابها ينتمون إلى عرب 48 الذين رفضوا أن يتركوا أرضهم وصمدوا فيها، وحملوا رغماً عنهم جوازات سفر إسرائيليّة لم تقلّل يوماً من انتمائهم العربي.

لكن ماذا عن التعليقات باللغة العبريّة؟ هل ثمّة يهود يقرأون أخبار الفنّانين العرب؟ والأهم هل ثمّة يهود يقرأون المواقع العربيّة؟

قد يبدو سهلاً الاستنتاج أنّ المعلّقين هم أيضاً من عرب 48، الذين أرغمهم الاحتلال على تعلّم اللغة العبريّة في مدارسهم، لتصبح جزءً من حياتهم اليوميّة، بينما يكتفي اليهود بتعلّم اللغة العربيّة المحكيّة للتفاهم مع محيطهم العربي، وقلّة منهم تقرأ العربيّة.



إليسا رفضت التعليق على الموضوع، اكتفت بالصمت وكذلك فعل مدير أعمالها السيّد أمين أبي ياغي الذي لم يشأ أن تأخذ القصّة أبعاداً أكبر، خصوصاً أنّ لها من الحساسيّة ما هو وإليسا بغنىً عنه في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها لبنان، حيث أصبح إلصاق التهم على خلفيّة المواقف السياسيّة من أسهل الطرق التي يحارب بها الفنّان، خصوصاً أنّ أغلب الفنانين الذي جاهروا بانتماءاتهم السياسيّة، دفعوا غالياً ثمن هذه الانتماءات، لكنّ طوني خليفة لم يكن يقصد إلصاق التهمة بإليسا، بل اكتفى بطرح أكثر من علامة استفهام، وجاءه الرد من الصحيفة نفسها.

وضع إليسا مع الصحيفة العربيّة ضمناً الإسرائيليّة ظاهراً لم يكن محرجاً لها، خصوصاً أنّها كانت أذكى من أن تتورّط بتصريح فاكتفت بالصمت، بينما لا يزال فنّانو لبنان يتعرّضون لأفخاخ إسرائيليّة في كل مرّة يتواجدون فيها في بلد عربي تربطه علاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل، حيث كان آخرهم الفنّان إيلي الشويري الذي وجد نفسه ضيفاً على صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة رغماً عنه.

أفخاخ إسرائيليّة

لم يكن الفنّان إيلي الشويري يعلم أثناء وجوده في عمّان لعرض مسرحيّة "صح النّوم" قبل شهر،أنّ محاوره إسرائيلي يجيد اللغة العربيّة بطلاقة، غير أنّ نشر المقابلة في الصحيفة الإسرائيليّة جعله يتقيّن أنّ ثمّة من أوقعه في الفخ. فبماذا سيستفيد القارىء الإسرائيلي من مقابلة مع فنّان لبناني مخضرم، يتمتّع بمواصفات نجوميّة مختلفة عن تلك التي تسعى وراءها الصحف لزيادة نسبة مبيعاتها، وعلى الرغم من اعترافه بأنّه وقع في المصيدة، انبرى بعض الصحافيين والفنّانين لمهاجمة الشويري على خلفيّة تصريحاته التي ما لبث أن نفاها مؤكّداً أنّ الصحيفة حوّرت حديثه، بعد أن رفض الرد على الأسئلة ذات الطابع السياسي.

ومن عمّان نفسها كادت الفنّانة اللبنانيّة نانسي عجرم أن تقع في فخ مشابه، بعد أن اقتحمت مؤتمرها الصحفي الذي كانت تقيمه على هامش مهرجان جرش، صحافية إسرائيليّة سألتها عن موقفها من الجمهور الإسرائيلي الذي يحب فنها، صدمة ما لبثت الفنّانة الشابّة أن تداركتها ورفضت الإجابة عن السؤال وكأنه لم يطرح أصلاً، وتبرّع صحافيون أردنيون لطرد الصحافيّة الإسرائيليّة التي تبرّأت لجنة المهرجان من دعوتها، خصوصاً أنّ المهرجان أخذ على عاتقه مهمّة محاربة التطبيع مع الدولة العبرية، منذ توقيع اتفاقيّة السلام بين الأردن وإسرائيل.

الفنانون العرب يشكلون خطراً على إسرائيل

ليست المرّة الأولى التي يحاول فيها صحافيون إسرائيليون إحراج فنانين لبنانيين وعرب، خصوصاً أنّ النقابات الفنيّة العربيّة لا تزال تطبّق قوانين صارمة باتجاه محاربة التطبيع مع إسرائيل، بما فيها تلك التابعة للدول التي وقّعت اتفاق سلام مع إسرائيل، حيث لا تزال قضيّة الممثل المصري عمرو واكد المتّهم بالاشتراك في فيلم غربي مع ممثلين إسرائيليين، تحصد الكثير من ردود الفعل المستنكرة، بعد أن أعلن الممثل أنّه تعرّض للخداع، وأنّه لم يكن يعلم أنّ بطل الفيلم إسرائيلي، خصوصاً أنّ موقف نقابة الممثلين المصريين كان صارماً، ويشبه إلى حد كبير موقف نقابة الفنانين الأردنيين، التي سحبت عضويّة كل من الفنانين الأردنيين نبيل صوالحة وهشام يانس، بعد زيارتهما لإسرائيل قبل سنوات، في رفض قاطع لأي شكل من أشكال التطبيع.

ولعلّ النقابات العربيّة باتت تدرك أهميّة دور الفنّان العربي، بعد أن نشرت "الهيئة العامة للسينما والفنون الإسرائيلية" قبل سنتين، تقريراً رسمياً انتقدت فيه النجاحات التي يحقّقها فنانون لبنانيون على الصعيد الدولي، بعد أن وصلت مشاركاتهم إلى أنشطة دوليّة تقوم بها الأمم المتّحدة والمنظّمات التابعة لها، خصوصاً تلك المعنية بإحلال السلام في العالم، ما اعتبره التقرير "خطراً مدمّراً وتطاولاً على الدولة الإسرائيليّة"، ووصف الإنجازات الفنيّة اللبنانيّة بجرس الإنذار في وجه إسرائيل منبّهاً إلى ضرورة الالتفات إليه.



ماريا وخطر تعميم نموذج الجمال اللبناني

التقرير نشر في وقت كان لبنان يتعرّض لتفجيرات متنقّلة ولاغتيالات منظّمة عقب اغتيال الرّئيس الحريري، وحمل عنوان "الفنانون اللبنانيون•••من الفنون إلى ممارسة الأدوار السياسية"، بعد أن ميّز التقرير بين فناني لبنان وفناني العالم العربي بوصفهم الأكثر شعبيّة وتأثيراً على المشاهد العربي، وأنّ هؤلاء لا يكتفون بدورهم الفنّي فحسب، بل يمارسون نشاطات سياسيّة هي بمثابة رسالة يوجهونها إلى العالم يعكسون من خلالها رغبتهم بالسلام.

غير أنّ هذه الرغبة في السلام لم تحل دون النبرة العدائية التي تضمّنها التقرير، إذ أشار إلى أنّ الفنّانين اللبنانيين يلعبون دوراً رسمته لهم "القوى السياسية في لبنان المعادية لتل أبيب" ، مشدداً على ضرورة الاحتراس من هذا الدور، خصوصاً مع تفوّق اللبنانيين في أكثر من مجال.

نانسي عجرم...مغنية خطيرة

النجاح اللبناني الذي اعترفت به إسرائيل، كان البوابة التي انطلق منها رئيس النقابة "باروخ هنجبي"، الذي فقد ولديه في الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ليصف لبنان بال"دولة المعادية في المنطقة"، ما يحتّم ضرورة "مواجهة أي نجاح أو تفوق لكافة مواطنيها••• حتى لا يكرّس تواجدهم على الساحة الدولية"، معتبراً أنّ الأمر لا يصب لصالح إسرائيل•



نانسي تهدّد فرادة إسرائيل في المنطقة

من يقرأ التقرير لوهلة يعتقد أنّه يتحدّث عن فيروز ومارسيل خليفة وماجدة الرومي، غير أنّه لا يلبث أن يصعق حين يستنتج أنّه يتناول هيفا ونانسي وماريا، حيث وصفت نانسي بالمغنية الخطيرة والبالغة التأثير في العالم العربي، بسبب تقليد الشباب لها، ما يهدد بإشاعة النموذج اللبناني في العالم العربي كله، بحسب التقرير، الذي رأى أنّ نانسي تقوم بعمل سياسي هام للغاية من خلال دعمها للتواجد الفني اللبناني في الخارج، ما يضرب المصالح الإسرائيليّة الهادفة إلى تكريس إسرائيل كنموذج متميّز ومتفرّد في الشرق الأوسط.

كما تحدّث التقرير عن المغنية ماريا التي ساهمت في تكريس التواجد اللبناني على الخارطة العالمية، من خلال فوزها بلقب ملكة جمال آسيا، واصفاً هذا الإنجاز بالخطير، مؤكداً على ضرورة القضاء على هذه الظّاهرة الفنيّة كي لا يتعاطف العالم مع اللبنانيين.

كما أثنى التقرير على قرار نقابة الموسيقيين المصرية بمنع عرض وبث أغاني ماريا في مصر قبل سنتين، مطالباً بأن يتم تعميم هذا القرار على كافة الفنانين اللبنانيين في مختلف المجالات، ومنعهم من المشاركة في أي من الأحداث الفنية التي تجري في مصر تحديداً.

ولم يخل التقرير من انتقادات لأكثر من فنان لبناني، منهم الفنّان عاصي الحلاني على خلفيّة اختياره من قبل منظّمة الفاو، وللفنان وائل كفوري الذي غنى "أنا رايح بكرا عالجيش' التي اعتبرها التقرير تحريضاً على حمل السلاح ضد إسرائيل ومحاربتها•

التقرير صدر قبل سنتين وفيه دعوة صريحة إلى ضرورة محاربة الفن العربي واللبناني على وجه الخصوص، فهل الأفخاخ التي نصبت مؤخراً لأكثر من فنّان لبناني هي تنفيذ لتوصيات التقرير؟ أم هي مجرّد فضول إسرائيلي في سبر أغوار الفنّان اللبناني على قاعدة إعرف عدوّك؟

التعليقات