وثائق جديدة تكشف أن حرب 1973 كادت تتحول إلى مواجهة نووية

وثائق جديدة تكشف أن حرب 1973 كادت تتحول إلى مواجهة نووية

غزة-دنيا الوطن

كشفت وثائق اسرائيلية وغربية سرية رفع عنها النقاب بمناسبة ذكرى مرور 31 عاما على حرب اكتوبر (تشرين الاول) 1973، انه في الايام الاخيرة من الحرب كادت تشتعل حرب عالمية ثالثة، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تستخدم فيها صواريخ نووية. وتعود الازمة بين اميركا والاتحاد السوفياتي الى ضائقة اسرائيل في هذه الحرب. فكما هو معروف نشبت الحرب بمبادرة مصر وسورية، في السادس من اكتوبر 1973، الذي صادف يوم التاسع من شهر تشري العبري خلال الاحتفال بـ«يوم الغفران»، لدى اليهود.

وقد اختاره المصريون والسوريون، بشكل متعمد، لمفاجأة اسرائيل بالهجوم الحربي.

ومع ان اسرائيل تلقت اكثر من انذار حول احتمال شن هذا الهجوم، الا انها لم تستطع الاستعداد الكافي. اذ ان الانذار تحدث عن امكانية هجوم في السادسة مساء بينما الحرب نشبت في الثانية بعد الظهر. كما ان القيادة الاسرائيلية لم تأخذ هذا الانذار بكامل الجدية. وترددت كثيرا في تجنيد جيش الاحتياط. ثم قررت في النهاية تجنيده بوتائر بطيئة. وبدأ التجنيد يومها في صباح ذلك اليوم.

وكما هو معروف، بدأت اسرائيل تصد هذا الهجوم، بكل ما تمتلك من قوة عسكرية تقليدية. ونجحت بذلك جزئيا على الجبهة السورية، بعد ان دفعت ثمنا باهظا من الخسائر، الا انها فشلت في ذلك فشلا ذريعا من الجبهة المصرية.

وكشفت الوثائق الجديدة في اسرائيل، هذا الاسبوع، بعض اوراق الحرب، التي يتضح منها ان القيادة الاسرائيلية بدأت تعد اسلحتها النووية قبل نشوب الحرب. فقد دعا وزير الدفاع، موشيه ديان. القيادة العسكرية الى مكتبه في الوزارة في تل ابيب في السادس من اكتوبر، قبل ساعات من شن الهجوم. وسأل عن الاوضاع في الجيش وكيفية استعداد كل الفرق، فقال رئيس اركان الجيش، ديفيد بن العزار، «سنكون جاهزين في الساعة الخامسة والربع لصد العدو على الجبهتين». وقال قائد سلاح الجو، بيني بيلا: «سلاح الجو سيكون جاهزا». فسأل ديان: «وهل عبري جاهز؟» «عبري» هو صاروخ «يريحو» النووي (اريحا بالعربية).

والمعروف ان اسرائيل، لا تعترف رسميا بوجود اسلحة نووية. لكن هذا الصاروخ معروف بأنه قادر على حمل رؤوس نووية.

وقد اجاب، اريه براون، رئيس مكتب وزير الدفاع، بأنه سيكون جاهزا خلال 12 ساعة، فأمره ديان: «يجب تشغيل محركات (عبري) في الليل، حتى يكون جاهزا لكل طارئ».

*الضائقة

*وفي الساعة الرابعة من فجر اليوم الثالث للحرب (9 أكتوبر) دعا رئيس أركان الجيش، العزار، قادة الجيش والمستشارين إلى غرفة القيادة في تل أبيب وقال لهم: «إذن الوضع في مصر (يقصد الجبهة المصرية) سيئ جدا، فالهجوم كان خطيرا ووقعت خسائر فادحة، 50 دبابة على الأقل تركت في الميدان، يقولون إن هناك 200 قتيل و500 جريح، الوضع كارثي، وضعنا في الحرب سيئ للغاية. لم ننجح في صد الهجوم بالأمس عندما قررت الهجوم المضاد، حسبت أننا نستطيع قلب الأمور رأسا على عقب، ونجح هذا جزئيا في الجولان (على الجبهة السورية)، بينما في الجنوب فشلنا. وضعنا قاس جدا جدا، وعلينا أن ندرس إن كان الوضع كذلك لدى الطرف الآخر، (أي لدى المصريين)، يوم أمس كان وضعهم سيئا، ولكنني اليوم لا أرى إمكانية أن ينكسروا قبلنا».

بعد هذا الاجتماع، دعا وزير الدفاع، ديان، هيئة رئاسة الأركان باشتراك رؤساء الألوية والعمداء، وبدا أن روح الانكسار تخيم على الحاضرين. إذ أن العديدين منهم بكوا.

وفي تلخيص سري، لم تنشر كل التفاصيل فيه، ذكر أن القيادة الإسرائيلية، التي واجهت أخطر أزمة في تاريخ الدولة، أمرت بإعداد كل الأسلحة الذرية التي بحوزتها وتوجيهها نحو أهدافها، من أجل استخدامها في حالة الانهيار التام، على طريقة شمشون (هذا التلخيص هو للكاتب والباحث العسكري سيمور هيرش، الذي اصدر كتابا عن هذه الحرب ويجري حاليا تحديثا له).

*الساحتان الأميركية والسوفياتية

*الوثائق المذكورة تتطرق الى النشاط الذي قامت به اسرائيل لدى الولايات المتحدة الاميركية ايضا، لتساعدها في هذه الحرب. وتكشف هي ايضا عن جوانب مثيرة.

ففي ذلك اليوم (9 اكتوبر)، الذي انعقد فيه اجتماع القيادة العسكرية، كان السفير الاسرائيلي في واشنطن، سمحا دينتس يسعى لدى وزير الخارجية الاميركي، هنري كيسنجر ليشرح له خطورة الوضع ويطلب منه مد اسرائيل بأسلحة وطائرات حديثة تعوضها عن خسائرها. وفي المرة الاولى راح كيسنجر يوبخ دينتس: «فسر لي من فضلك، كيف يعقل ان يخسر الجيش الاسرائيلي 400 دبابة خلال يومين امام الجيش المصري؟».

ويتوجه دينتس بعد ساعة الى البيت الابيض مباشرة، طالبا ترتيب زيارة سرية سريعة لرئيسة الحكومة، غولدا مائير، الى واشنطن لمقابلة الرئيس ريتشارد نيكسون، فيرفض كيسنجر ذلك بشدة. ويعلل رفضه بالقول: «زيارة كهذه الآن ستضاعف من النفوذ السوفياتي في العالم العربي».

هنا، وبحسب ما جاء في مقالة جديدة للباحث الاميركي وليام بور، مسؤول الارشيف السابق في مجلس الامن القومي، ابلغ دينتس الوزير الاميركي بأن اسرائيل مضطرة الى استخدام الخيار النووي. ويضيف ان رئيسة الحكومة غولدا مائير التي رفضت استخدام السلاح النووي، امرت بنشر صواريخ «يريحو» حاملة الرؤوس النووية، في امكنة مكشوفة حتى تلتقطها الاقمار الصناعية الروسية والاميركية.

ويقول بور ان هذا الابتزاز النووي فعل فعله. ففي مساء اليوم نفسه اعلن كيسنجر ان ادارة الرئيس نيكسون حزمت موقفها وصادقت على كل قائمة الطلبات الاسرائيلية باستثناء قذائف الليزر، ووعدت بتعويض الجيش الاسرائيلي عن كل خسائره في الحرب.

لكن هذا الابتزاز، كان له تأثير آخر على موسكو. فقد التقطت اقمارها صور الصواريخ الاسرائيلية النووية، فما كان منها الا ان ارسلت وحدات عسكرية تحمل صواريخ نووية الى مصر، يقودها جنود سوفيات.

*رؤوس نووية في الدلتا

*وحسب الوثائق التي قرأها الباحثان الاسرائيليان رونين بيرجمن وميل ملتسر، فإن الاميركيين كانوا قد زرعوا اجهزة رصد ورادار في عدة مواقع في قاع البحر الابيض المتوسط. وهذه الاجهزة رصدت يوم 15 اكتوبر اشعاعات نووية صادرة عن سفينة حربية سوفياتية وهي في طريقها الى مصر. وفقط بعد ثلاثة ايام اكتشفت الاقمار الصناعية الاميركية ان السوفيات نشروا بطاريتين لصواريخ «سكود» حاملة الرؤوس النووية، في منطقة الدلتا المصرية. وانهم نشروها بشكل علني ومكشوف، بحراسة سوفياتية مكشوفة، لدرجة ان المخابرات الإسرائيلية عرفت بوجودها.

وقد أثار ذلك الهلع في صفوف القيادة الإسرائيلية، فهرولت الى الإدارة الاميركية. فطلبت واشنطن ان تعالج الموضوع وحدها. وحاولت ذلك بالطرق السلمية وبالحوار، لكنها لاحظت ان بريجنيف يتخذ موقفا متصلبا. فأمر نيكسون بالاستعداد لحرب تستخدم فيها الأسلحة النووية. وقد أصدر أوامره الحربية هذه، قبل أن ينسق مع حلفائه في الناتو. مما اثار غضبهم واحتجاجهم.

وقد حدثت كل هذه التطورات على خلفية وضع ميداني حربي. اذ استمرت اسرائيل في هجومها وطوقت القوات المصرية ولم تكتف بالمدة التي منحها لها كيسنجر (حتى منتصف اليوم التالي)، بل أمعنت في عملياتها.. ثلاثة ايام. ولم تتوقف الا عندما هددتها الولايات المتحدة بتركها وحدها فى المعركة، وذلك في 25 اكتوبر. وتبين ان الاتحاد السوفياتي طلب من الولايات المتحدة ان تسحب اسرائيل قواتها الى حدود 22 اكتوبر والا فإنه سيتحرك. وقد بدأ السوفيات يحركون لواء موجودا في بلغاريا باتجاه مصر.

وهكذا يصف الباحثان بيرجمن وملتسر الوقف النووي على هذه الخلفية:

«في هذه الاثناء طلب الاتحاد السوفياتي ان تنسحب اسرائيل الى خطوط 22 اكتوبر، موعد وقف اطلاق النار الاول. وهدد السوفيات بعملية عسكرية من جانب واحد لمساعدة المصريين. وفي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل (ما بين 25 و26 اكتوبر) وضعت الولايات المتحدة قواتها في العالم في حالة استعداد بالدرجة الثالثة (من مجموع 5 درجات). وامر الرئيس نيكسون بإعلان حالة طوارئ عليا للسلاح النووي. وفسر ذلك بالقول ان هناك اشارات تدل على استعدادات سوفياتية لإرسال اسراب طائرات الى الشرق الأوسط، من القوات التابعة لحلف وارسو في بلغاريا.

وكانت هذه ثاني أخطر مرة وقف فيها العالم على حافة حرب عالمية ثالثة. وما منع ذلك هو اتصال من بريجنيف الى نيكسون بالخط الاحمر، أسفر عن تفاهم بينهما حول قرار مجلس الامن رقم 338 .

التعليقات